top of page
بحث

تبادل المصالح والترویج المُضلِّل والوجه الإجرامي المنظَّم للشركات الكبرى لصناعة أدوية الداء السكري والأمراض المرتبطة به

ree

تبادل المصالح والترویج المُضلِّل والوجه

الإجرامي المنظَّم للشركات الكبرى لصناعة أدوية الداء السكري والأمراض المرتبطة به

(الفصل الأول)

 

 

الطبیب الإستشاري الأستاذ

عبدالأمیر عبدلله حسن الأشبال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العراق – بغداد                                                                  2026

 

 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الى عموم الناس سواء كانوا أصحاء أو مصابین بالأمراض غیر الإنتقالیة الصامتة وفي مقدمتھا مرض السكري وإرتفاع ضغط الدم وإضطراب الدھون في الدم

والى كل زمیل طبیب یتعامل مع مرضى مصابین بھذه الأمراض

والى كل شخص ینتمي لمؤسسات صحیَّة تُعنى بھذه الأمراض

والى كل موظف مسؤول في المؤسسات الصحیة

والى كل موظف مسؤول في المؤسسات الأكادیمیة الطبیة

والى ممثلي الأطباء سواء نقابات الأطباء أو الجمعیات العلمیة والمھنیة التخصصیة

والى ھیئات التعلیم الطبي العالي وطلبة الدراسات العلیا من الأطباء

والى كل من یعمل في الإعلام

والى كل مؤسسات العمل المدني

والى كل ممثلي الشعب

والى الأجیال القادمة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الطبیب الإستشاري الأستاذ عبدالأمیر عبدلله حسن الأشبال

دكتوراه بالطب الباطني طبيب استشاري وأستاذ وباحث وخبیر بمرض السكري

 

العنوان: العراق – بغداد – الكرخ –كلية طب المستنصرية- فرع الباطنية - متقاعد

موبایل المؤلف: 009647901846747 ¸ موبايل وواتساب:  7722221334 00964

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة

الطب هو بيئة تهيمن عليه الصناعة فالأطباء والمرضى يعتمدون على الشركات المصنعة للأدوية لتوفير اللازم منها للتعامل بشكل مناسب مع ضروريات المريض الصحية. وقد استفحل الفساد في صناعة الأدوية . فكثير ما تطرح أدوية لإستعمال المرضى ولكن سرعان ما تنكشف أعراضها الجانبية الخطرة أو يثبت فشلها أو كليهما معا بالرغم من أدعاء الشركة المصنعة بسلامتها وفعاليتها. شركات الأدوية الضخمة هي شركات تجارية كبيرة. فهي أغنى وأقوى من أي وقت مضى ، ولها تأثير على عالم الاقتصاد والسياسة. وتمارس الشركات مختلف وسائل الضغط في صناعة الأدوية المربحة التي يمكنها وحدها اتخاذ قرار بشأن السياسات الصحية الحكومية وأحياناً على حساب صحة المواطنين.

وفيما يتعلق الأمر بمرض السكري (Diabetes epidemic) فله تأثیرات إنسانیة وإجتماعیة وإقتصادیة مُدمرة ومُخربة. يعتبر مرض السكري السبب الرئيسي السابع للوفاة على مستوى العالم. ویُقدَّر عدد النساء والرجال الذین تُوفوا بسبب مرض السكري بحوالي 3.8 ملیون في عام 2007 أي أكثر من 6% من عدد الوفیات الكلي عالمیاً. يقدر في عام 2021 بنحو 537 مليون شخص يعانون من مرض السكري في جميع أنحاء العالم وهو ما يمثل 10.5٪ من السكان البالغين، حيث يشكل النمط 2 حوالي 90٪ من جميع الحالات. وبحلول عام 2045، تشير التقديرات الى أنَّه سيكون ما يقرب من 783 مليون بالغ أو 1 من كل 8 مصابين بمرض السكري، مما يمثل زيادة بنسبة 46٪ عن الأرقام الحالية. 

ومن الجدیر ذكره أنَّ ثمة تفاوت أو تبایُّن بین العالم المتطور والعالم النامي فأكثر من 80 % من المصاریف للعنایة الطبیَّة بمرض السكري تُصرف في البلدان الأكثر غناً إقتصادیا. في عام 1990 كان لدینا ثلاثة أصناف من الأدویة لمعالجة مرضى السكري. الإنسولین (الحیواني والبشري) وحبوب السلفونیل یوریا وحبوب المتفورمین. أما الآن فلدینا ما یزید على تسعة أصناف من الأدویة الحدیثة. وهكذا فقد توسَّعت مساحة الخیارات السریریة مع فوائد موعودة سواء على مستوى الفرد أو مستوى عموم مرضى السكري. ولكنها في ذات الوقت زادت بشكل كبیر من كلفة المعالجة وخلقت أدوية تفتقر الى الكثير من الشفافية والمصداقية من ناحية كفائتها ومن ناحية أعراضها الجانبية البسيطة منها والخطرة مقارنة بالأدوية السابقة. وبالنظر لكون شركات الأدوية ستستفيد من الأدوية التي تبيعها فإنَّ لديها حافزا للتأثير على المستهلكين لشراء الأدوية التي تُصنِّعها. تؤدي هذه الجهود إلى تضارب في المصالح بين هدف شركات الأدوية لزيادة الأرباح وحاجة المرضى إلى تلقي الأدوية الأكثر أماناً وفعالية وتميُّزاً في أي وقت. يُحدد الخبراء تضارب المصالح على النحو التالي: مجموعة من الشروط التي يميل فيها القرار المهني المتعلق بالمصلحة الأساسية (مثل صحة المريض أو صحة البحث) إلى التأثُّر بلا داعٍ بفائدة ثانوية. وعليه یحدث تبادل المصالح عندما یتمتع شخص أو مؤسسة بمصالح متعددة أحدها یُحتمل أنْ یُفسد الدافع لفعل ما من قبل الآخر. إنَّ تبادل المصالح المادیة بإعتبارها شأن أخلاقي لاتنطبق فقط على مدیري الأعمال أو موظفي الدولة أو الباحثین ولكن أیضاً على الأطباء والأكادیمیین.

لقد تقدّمت الخدمات الطبیة لمرضى السكري في عصرنا الحاضر كماً ونوعاً في العالم. فالأطباء في العالم یكتبون أكثر من 2.2 مليار من الوصفات كل سنة وهذا یقتضي بالضرورة أنْ یتحصنوا بالمعرفة وأنْ یحصلوا على المعلومة الحدیثة التي تلبي إحتیاجات المریض الصحیَّة. إنَّ العدید من الآثار الجانبیة وتفاعلات العقاقیر وفعَّالیتها لا یمكن كشفها عندما تتم الموافقة من الجهات العلمیة المختصة على صرف الأدویة للإستعمال. ولكن یمكن العثور علیها فقط بعد أن تُستخدم هذه الأدویة من قبل الملایین من الناس ولفترة طویلة. إنَّ المراقبة بعد التسویق هي أمرٌ أساسيّ لتطویر فهم كامل للتوازن بین المنافع والآثار السلبیة. یقع على الأطباء واجب أخلاقي یدعوهم الى المحافظة على أحدث المستجدات العلمیة في حقول إختصاصاتهم والتقيُّد بهذا التوازن. يجرى اكتشاف الأدوية من قبل الشركات التي تصنعها وقد تكون التجارب التي تجريها سيئة التصميم أو على عينات غير كافية أو غير ممثلة للمرضى الذين صمم لهم هذا العلاج ولفترات تكون في الغالب قصيرة وفي الأخير يتم تحليل نتائج التجارب بشكل يخدم المصالح المادية للشركة وقد يبالغ بمنافعها وفي ذات الوقت يصار الى اخفاء أية أعراض جانبية حتى وإن كانت خطرة. إضافة الى ذلك, لا يزال الأمر غامض بشأن مجابهة هذه المشاكل المزمنة وما هي أفضل الحلول لها. في الغالب ليس من مصلحة أي باحث أو مجموعة باحثين محاولة اجراء تجارب بدون دعم مالي كافي لها. وبالرغم من أنَّ هذه المحاولات موجودة ولكنها قد فشلت في الغالب وبقي الأمر مرهون بالدرجة الرئيسة على شركات صناعة الدواء. ومما يزيد الطين بلة فإنَّ الشركات تسعى جاهدة لإخفاء نتائج التجارب المحايدة والنزيهة عن الأطباء والمرضى.

الكتاب الذي بین یدیكم یسلط الضوء على شروط ومواصفات العمل الطبي في مجال مرض السكري والأمراض المرتبطة به, كمثال عن باقي المجالات الطبية الأخرى, وعلاقة أطباء المؤسسات الأكادیمیة والصحیة بشركات صناعة الأدوية.

 

الطبيب الإستشاري الأستاذ عبدالأمير عبدالله حسن الأشبال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

      I.            تبادل المصالح (Conflict of interests) وازدواجية المصالح     (Duality of interests) وترویج الأدویة (Drug Promotion)

 

المصلحة هي التزام أو هدف أو قيمة تنشأ عن علاقة أو ممارسة اجتماعية. تنشأ ازدواجية المصالح عندما يكون هناك تضارب محتمل بين مصلحتين أو أكثر اعتمادا على الظروف المحددة للحالة الفردية. يُعرّف تضارب المصالح على أنَّه مجموعة من الحالات التي يميل فيها الحُكم المهني المتعلق بمصلحة أولية (مثل رفاهية المريض أو صحة البحث العلمي) إلى التأثَّر بشكل غير ضروري بمصلحة ثانوية (مثل المكاسب المالية) (2,1). أما تعريف منظمة الصحة العالمية (3) لتضارب المصالح فهو كما يلي: "جميع الأنشطة الإعلامية ووسائل الإقناع من قبل الشركات المصنعة للأدوية، وأثرها في تحفيز وصفة طبية وتوريد و/ أو شراء و/ أو استخدام الأدوية الطبية ". وفیما یلي أهم أشكال التعرُّض للمعلومات (الترویجیة أو غیر ذلك) من شركات الأدویة:

1.      زیارات ممثلي مبیعات الأدویة

2.      الإعلانات في المجلات الطبیة

3.      حضور الاجتماعات الترويجیة التي ترعاها الشركات المصنعة للأدویة

4.      المعلومات عن طریق البرید الإلكتروني

5.      برامج عن وصف الأدویة

6.      المشاركة في التجارب السریریة المدعومة من قبل شركات صناعة الأدویة.

 

ویحدث تبادل المصالح عندما یتمتع شخص أو مؤسسة بمصالح متعددة أحدها یُحتمل أنْ یُفسد الدافع لفعل ما من قبل الآخر. وتبادل المصالح هو مسألة أخلاقیة لیس فقط لقائدي الأعمال وموظفي الحكومة والباحثین ولكن للأطباء وللأكادیمیین أیضا (4). وهو یشمل مصالح متنافسة ویؤدي الى طرح أسئلة تتعلق بإستقامة ونزاهة الشخص. إنَّ المبدأ الطبي التقلیدي والمثبت في إعلان جنیفیا الصادر عن الجمعیة الطبیة العالمیة ینصُّ على ما یلي: ” صحة مریضي یجب أنْ تكون أول إعتباراتي“ (5). وهذا يعني أنَّ واجبات الطبيب بشكل عام هي المحافظة دائما على أعلى معايير المهنية ويجب عليه ممارسة مهنته غير متأثر بدوافع الربح. إنَّ الأدویة هي أحد أهم المنتجات الطبیة للاستخدام البشري. وتُعرِّف وكالة الأدویة وتنظیم منتجات الرعایة الصحیة في المملكة المتحدة بأنَّ الأدویة هي " أي مادة أو مزیج من المواد تُعرض بإعتبارها ذات خصائص لمعالجة مرض أو للوقایة منه عند البشر وأیة مادة أو مزیج من المواد التي یمكن استخدامها للبشر أو تُعطى لهم إما بهدف استعادة وتصحیح الوظائف الفسیولوجیة من خلال ممارستها الدوائیة والمناعیة والأیضیة أو لتحقیق تشخیص طبي" (6).

 

ما هي طبيعة وشكل النشاطات المالية لشركات صناعة الدواء المتعلقة بالأطباء

على الرغم من استحالة وضع قائمة شاملة للعلاقات المالية فإن أياً من العلاقات المالية التالية مع شركات الأدوية ومعظمها يتعلق بالأطباء في المقام الأول قد يؤدي إلى تضارب في المصالح (7):

أ‌.        تلقي الهدايا التي تمولها شركات الأدوية أو الوجبات والولائم أو المكافآت المادية أو العقود أو عينات الأدوية أو المواد الترويجية أو السفر أو الإقامة أو تمويل الأبحاث أو التمويل من أجل التعليم الطبي المستمر.

ب‌.   كون الشخص مديرٌ رئيسيٌ في شركة ناشئة أو عضوٌ في مجلس استشاري علمي أو مكتب متحدثين في شركة أدوية أو شاهد خبير لشركة في الدعاوي القضائية أو صاحب براءة اختراع أو حقوق نشر للشركة أو مشتركٌ في دراسة ممولة من الصناعة أو مستشار.

ت‌.   أو كون الشخص ممثل أو متحدث نيابة عن شركة أدوية في مؤتمر.

ث‌.    كون الشخص مكلف بمهمة الاجتماع المباشر مع ممثلي أو مندوبي الأدوية.

ج‌.    حيازة الشخص أسهم في شركة أدوية.

 

تحاول شركات الأدویة وممثلیها التأثیر على الممارسة الطبیة عن طریق إعطاء الهدایا بمختلف أشكالها المذكورة آنفاً. فحتى الهدایا ذات القیمة النقدیة التافهة تضفي شعورا بالإلتزام على متلقیها الأمر الذي یخلق حالة من التعارض مع المسؤولیة الرئیسة للطبیب تجاه مرضاه. فالأطباء هم أقل إحتمالاً من مرضاهم للإعتقاد بأنَّ الهدایا تُغیِّر طبیعة وصفاتهم للأدویة بالإتجاه الذي یجعلهم عرضة للتلاعب من قبل شركات صناعة الدواء. وعلیه فالطبیب الذي یتعامل مع ممثلي شركات صناعة الدواء یجب أنْ یتوخى الحذر لمنع الإخلال بالعلاقة الإنسانية بین المریض والطبیب وأنْ یُحافظ على سلامة ضمیره وإنسانیته. تشیر الدارسات الى أنَّ ستراتیجیات التسویق التي یستخدمها ممثلي شركات صناعة الدواء كالتثقیف وعینات الأدویة ودعم مكاتب الأطباء والنشرات الموجهة للمرضى یمكن أنْ تُزید من التعرُّف بالعلامة التجاریة وتؤثر على وصف الدواء واستعماله (7-17). وعلى الرغم من الأدلة على أنَّ لقاء ممثلي شركات الأدوية مع مقدمي الخدمات من مختلف المهن الصحية له تأثيرات على الوصفات الطبية لا يزال الكثير من ذوي المهن الصحية يعتقدون أن التفاعل مع ممثلي شركات الأدوية يعمل على تحسين رعاية المرضى وأنه يمكنهم بشكل كافٍ تقييم وغربلة المعلومات المقدمة لهم من قبل ممثلي شركات الأدوية (18). لقد بيَّنت الدراسات أنَّ توزيع عينات الأدوية في العيادة الطبية يؤثر على قرارات وصف الأدوية للكوادر الصحية سواء في المستشفى أو العيادة الخاصة. وهذا يمكن أن يؤثر سلبا على تعليم الأطباء المقيمين ويزيد من تكاليف الأدوية على المرضى (16). وعلیه یوجد حالیاً قلق وإهتمام واسعان على مستوى العالم حول العلاقات المادیة بین مقدمي الخدمة الطبیة وصناعة الدواء لاسیَّما المدفوعات المرتبطة بترویج المنتجات ومنها الدواء الأمر الذي یؤثر على نحو غیر مقبول وبدرجة بالغة على العنایة الطبیة التي یتلقاها المریض. إنَّ مثل هذا التبادل في المصالح یُهدد سلامة ونوعیة العنایة الطبیة بالمریض وثقة المجتمع بالطب. وقد بیَّن مسحٌ شامل في أحد الدول الصناعیة أنَّ 84 % من الأطباء لدیهم نوع ما من العلاقة المادیة مع شركات صناعة الدواء وعلیه یجب أنْ نهدف الى ضمان الشفافیة في العلاقات بین الأطباء وصناعة الدواء وتشجیع السیاسات التي تخفِّض من تبادل المصالح التي یمكن أن تؤثر على العنایة بالمریض. إن الروابط المشكوك فیها بین الأطباء ووممثلي شركات الأدوية وصلت إلى ذروتها في العراق. فالشركات العملاقة راحت تجنِّد الأعداد الكبیرة من ''ممثلي'' المبیعات الذین يتم تعیینهم في الغالب بسبب جاذبیتهم الشخصیة، ولیس خبرتهم الطبیة، المكلفین بزیارة الأطباء لإقناعهم بوصف أدویتها. وولَّد ذلك ''سباق تسلُّح'' بین الشركات البارزة وفي الغالب بمنتجات بالكاد تكون متمیزة إذا لم يكن مشكوك في دقة تصنيعها. ومن جملة الأدوات المستخدمة ''العینات''، حیث یترك الممثلون أدویة مجانیة من الأدویة المُكْلِفة في الغالب لدى الأطباء لقاء المكافئات المادیة التي تمَّ ذكرها آنفاً وأبسطها الهدایا الصغیرة مثل الأقلام وأوراق الملاحظات والحقائب وغیرها. من جانب آخر استوفت غالبية النشرات الترويجية للدواء نصف معايير منظمة الصحة العالمية الخاصة بالترويج العقلاني للأدوية ولم يستوف أي منها جميع المعايير المحددة وقد تكون المعلومات غير المكتملة أو المبالغ فيها في النشرات الترويجية للدواء مضللة وتؤدي إلى وصفة غير منطقية وغير علمية وقد تكون مضرة بالمريض وبنفس الوقت مُكلفة. لذلك يجب على الأطباء اجراء تقييم نقدي للنشرات الترويجية للدواء فيما يتعلق بالأدلة العلمية المحدَّثة المطلوبة لجودة رعاية المرضى (20,19). وهذا يقتضي بالضرورة أن يكون الطبيب متخصص وله خبرة ومُحصَّن علميا وأخلاقيا.

 

 

 

  II.            الخطوط الإرشادية لضبط علاقة الطبیب في المؤسسات الصحية والأكاديمية مع الصناعة الدوائیة 

Guidelines for Physician–Pharmaceutical Industry Relation

 

تشير الدراسات إلى أن صناعة الأدوية كانت ولا تزال واحدة من الصناعات الأكثر ربحاً في عموم العالم مع وارداتها الضخمة التي تُمكنها حتى من تمويل الحملات الإنتخابية والتأثير فيها في الدول الصناعية الكبرى. ينفق مصنعو الأدوية مبالغ ضخمة على الترويج ، بما في ذلك على مندوبي المبيعات والعينات والإعلانات في وسائل الإعلام المطبوعة ورعاية الندوات والمؤتمرات التعليمية والسفرات الترفيهية المجانية للأطباء وتقديم مختلف أنواع الهدايا العينية. في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، تم إنفاق ما يقرب من 21 مليار دولار أمريكي على الترويج في عام 2002. وفي عام 2001 أعطت شركات الأدوية للأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية "عينات مجانية" بقيمة 11 مليار دولار تقريبا. وكان هذا بالإضافة إلى الولائم والمداهنة والصداقة التي قدمها ممثلو شركات الأدوية للأطباء (21)وفي هذا الصدد یُقدَّر ما يتمَّ تسویقه من قبل شركات صناعة الأدویة للأطباء حوالي 20 الى 57 بلیون دولار أمریكي في كل سنة. وفي البلدان النامية غالباً ما يكون مندوبو المبيعات هم المصدر الرئيسي لمعلومات الأدوية. هناك مجموعة واسعة من الأدلة حول مواضيع مختلفة باستخدام مجموعة من التصاميم المختلفة توحي بأن الترويج يؤثر على المواقف والسلوك. ومع ذلك هناك ثغرات في الأدلة تقتضي مزيد من الدراسات عالية الجودة للتأكد من العلاقة السببية بين الترويج ومواقف وسلوك الأطباء وغيرهم لغرض توفير معلومات أكثر دقة حول مواقف الأطباء تجاه الترويج وللتحقُّق من تأثير التدخلات لغرض تنظيم أو مقاومة تأثير الترويج (22).

لقد بدأت الشركات الإبلاغ عن مدفوعاتها للأطباء علناً تحت ضغط من المشرعین أو كشرط لتسویة دعاوي تبلیغات للسلطات القضائیة الإتحادیة في الولایات الأمریكیة (24,23) (الجدول رقم 1).

 

جدول رقم 1: خرقاً للحجاب يتصاعد عدد شركات الأدویة التي تُعلن عن مدفوعاتها للأطباء.


 

في عام 2013 أصبح على كل شركة دواء أو أجهزة طبية في الولايات المتحدة الأمريكية أنْ تُعلن عن أسماء الأطباء ممن تدفع لهم أموال وتحت مضلة قانون إصلاح العناية الصحية الذي صودق عليه من قبل الكونكرس الأمريكي (23). وبين عام 2001 إلى عام 2012 تم التوصل إلى تسوية (25) بين وزارة العدل الأمريكية وأكبر 20 شركة أدوية مرتبة حسب حجم التسوية الإجمالية. يتضمن مبلغ التسوية كلاً من التسوية المدنية (قانون المطالبات الكاذبة) والغرامة الجنائية. ويتضمن ذلك الاحتيال في برنامجي خدمات ميديكير (Medicare) وميديكيد (Medicaid) والترويج خارج التسمية وممارسات التصنيع غير الكافية (27,26).

إنَّ الأطباء وهم مسلحون بالقوة اللازمة لوصف الدواء في وضع يسمح لهم بإغراق أبدان مرضاهم بالأدوية القوية في ضربة قلم واحدة وقد دأبت صناعة الأدوية على التودُّد لهم وجذبهم وتشجيعهم (28). علما بأنَّ الصناعات الدوائية واتباعها للسلوك الاحتيالي سواء في مجال البحث أو التسويق وتجاهلها الأخلاقي البغيض لحياة الإنسان هو القاعدة (29). وفي هذا الصدد كتب الطبيب الأكاديمي الإستاذ غوتشي كتابه الرائد (30) "الأدوية المميتة والجريمة المنظمة: كيف أفسدت شركات الأدوية الكبرى الرعاية الصحية" لتنبيه الناس إلى أربع حقائق رهيبة:

1.       العقاقير الطبية هي السبب الرئيسي الثالث للوفاة بعد أمراض القلب والسرطان.

2.       يستوفي سلوك الشركات الكبيرة لصناعة الدواء معايير الجريمة المنظمة في القانون الأمريكي.

3.       السبب الرئيسي وراء تناولنا للعديد من الأدوية هو أن شركات الأدوية لا تبيع الأدوية بل تبيع الأكاذيب حول الأدوية.

4.       وهذا هو ما يجعل الأدوية مختلفة جدا عن أي شيء آخر في الحياة.

 

إنَّ الرعایة الصحیة المبنیة على المریض كمستهلك والإعلانات الموجَّهة مباشرة للمستهلك وزیادة فرص الحصول على المعلومات الصحیة عن طریق الإنترنت كلها قد تغیِّر الطریقة التي توصف وتصرف بها الأدویة. فالأطباء یكتبون أكثر من 2.2 بلیون من الوصفات كل سنة وهذا یقتضي بالضرورة أنْ یتحصنوا بالمعرفة وأنْ یحصلوا على المعلومة الحدیثة التي تلبي إحتیاجات المریض الصحیَّة وبالتالي فإنَّ حمایة فرص إبلاغ الأطباء عن المنتجات الدوائیة هو هدف مشروع وجاد للجمعیات الطبیة والشركات المصنعة للأدویة. ولكن كیف یمكن تطمین المرضى بأنَّ مصنعي الأدویة والذین هدفهم الأخیر وقبل كل شئ هو زیادة مبیعات منتجاتها لا یؤثرون بدرجة غیر ملائمة على أطبائهم. ومن الذي یُقرر طبیعة الحمایة اللازمة ومن یحكم بأنَّ درجة التاثیر هي أكثر من اللازم أو ضمن حدود المعقول. لقد واجه التفاعل بین الأطباء وصناعة الأدویة قدر متزايد من الاهتمام على مدى السنوات العدیدة الماضیة. ووصفت العدید من المقالات الطبیة المتعلقة بهذا الأمر وجود إتصال ذو دلالة مهمة بین صناعة الأدویة والباحثین الأكادیمیین (31)  والأطباء التدریسین (32) وطلبة كلیات الطب (33-36)   وعموم أطباء المجتمع (7, 37-43) والأطباء المقیمین (20, 45,44 ). وعلى هذا الأساس فإنَّ ردّ فعل المنظمات الوطنیة والجمعیات الطبیة والسیاسیین والمراكز الطبیة الأكادیمیة جاء من خلال إعدادها لتوصیات صارمة على نحو متزايد لكي تحكم التفاعل بین المتدربین من الكوادر الطبیة والأطباء مع المستفیدین الرئیسیین أي الشركات المصنعة للأدویة (46-54). أما كیفیة إحتفاظ شركات صناعة الأدویة بسیطرتها المحكمة على محاضرات الأطباء في الندوات أو المؤتمرات الطبیة فیمكن وصفها كاللاحق: لقد إتهمت تبلیغات عن دعاوى قضائیة في السنوات الأخیرة عن شركات تستغل الأطباء وذلك بدفعهم على إستعمال أدویتها غیر المصادق علیها أثناء جلسات تناول الطعام الذي تعده لهم. وقد كان مجموع الغرامات, المترتبة على ما لا یقل عن 10 شركات بسبب هذه الدعاوي, تقریباَ 7 بلیون دولار وقد تعهدت هذه الشركات الإصلاح بسبب هذه العقوبات. وقد اعترفت غالبية الشركات العظمى والمدرجة في موقع بروببلكا (55-60) تحتفظ شركات صناعة الأدویة بسیطرتها المحكمة على محاضرات الأطباء في الندوات أو المؤتمرات الطبیة فلقاء مدفوعاتها للأطباء تشترط على الطبیب المكلف بإلقاء المحاضرة أن یتقید بشرائح المحاضرة التي أعدتها له الشركة مسبقاً. وهكذا فإنَّ تقیُّد المحاضر من الكوادر الطبیة بقواعد وشروط الشركة قد یجعل المحاضر ینتهك السیاسات العلمیة للمؤسسة الأكادیمیة الطبیة التي ينتمي لها (61). وفي هذا الصدد أخذت السلطات الأمریكیة الریادة في هذا المجال، وقامت بالتحقیق في ممارسات استخدمت في بلدان أخرى، فضلا عن الصعید المحلي. وأما السلطات في أماكن أخرى، بما فیها في المملكة المتحدة، وفرنسا، وإیطالیا، فإنها كانت تدقق في تلك الاتفاقات كذلك. 

إنَّ احتفاظ شركات صناعة الدواء بسیطرتها المشددة على محاضرات الأطباء یُشابه حالة المراكز الأكادیمیة الطبیة الخاصة التي تضغط على منتسبیها من المحاضرین بهدف السیطرة على ما یطرحونه (62). وعلیه فالشركات لا تترك إلا القلیل للمحاضر وكلها قد أدرجت المدفوعات التي قدَّمتها للمحاضرین في بیانات صفحة الإنترنت المعروفة بالبروببلكا (ProPublica) من الدولارات للأطباء (23) والتي صرحت فیها بفرض إستعمال الشرائح التي تعدُّها للمحاضر. إنَّ إلتزام المحاضرین بقواعد وشروط الشركات قد وضع المحاضرین في حالة خرق لسیاسات المؤسسات الصحیة أو الأكادیمیة التي ینتمون لها. ولغرض معرفة التفاصیل عن كیفیة ردود كل شركة حول الأسئلة عن الشروط التي تطلبها من المحاضرین یمكن مراجعة صفحة الإنترنت المعروفة بالبروببلكا للدولارات للأطباء (63-68)

وفیما یلي كیفیة إجابة كل من الشركات التي دونَّت بیاناتها في موقع بروببلكا على الأسئلة حول متطلبات المحاضر الذي تكلفه بإلقاء المحاضرات التي أعدتها له الشركات (61):

1.  لا تترك الشركات إلا الشئ القلیل لحریة المحاضر.

2.  إعترفت بأنَّها تشترط على المحاضر الذي تختاره بإستخدام الشرائح التي یقدمونها له.

3.  وجمیع الشركات تدعي بأنَّ تكون مادة محتویاتها ملتزمة بلوائح ادارة الغذاء والدواء الأمریكیة ( US Food and Drug Administration “FDA”) وبمنتجات مصادق علیها.

وقد أُستُحدث في عام 2002 موقع في الشبكة العنكبوتیة "الإنترنت" من قبل منظمة الصحة العالمیة لغرض جمع بیانات تتعلق بترویج الأدویة الطبیة (60). في منتصف عام 2003 تمَّت المباشرة بنشر ملاحظات وتعلیقات على نفس موقع منظمة الصحة الدولیة لغرض توفیر الفرصة لمستعملي قاعدة البیانات لفهم البحوث التي إُجریت على الترویج ونقاط القوة أو نقاط الضعف فیها ولغرض إقتراح إتجاهات البحوث المستقبلیة. ویتمَّ البحث عن المادة التي تمدُّ البیانات من كتب ومقالات منشورة ومجلات وصحف ونصوص من نشرات أو صحف عن أدویة ومن أشرطة فیدیو ونصوص إذاعیة وتلفزیونیة ومن صفحات الإنترنت ومواقع طبیة متخصصة بنشر ملخصات البحوث الطبیة وخطوط توجیهیة تصدر عن منظمات وهیئات مهنیة. ویهدف المسؤولون عن هذا المشروع الى توسیع نطاق المشاركة وعلى سبیل المثال حث شركات صناعة الدواء على توفیر نتائج بحوثها حول ترویج الأدویة ( والتي حالیاً لا یمكن الحصول علیها من خارج الشركة) بهدف جعل قاعدة البیانات تعطي صورة أكثر إكتمالاً لما هو معروف وغیر معروف عن ترویج الدواء. وفیما یلي الأفراد أو الجماعات الذین یستفیدون من بیانات منظمة الصحة الدولیة عن ترویج الأدویة:

  1.   المهنیین الصحیین كالأطباء والصیادلة وغیرهم من العاملین في الرعایة الصحیة,

  2.   الجمعیات المهنیة الصحیة, 

  3.   الباحثون الأكادیمیون ,

  4.   المُثقِفون,

  5.   جمعیات المستهلكین,

  6.   شركات صناعة الدواء,

  7.   الممولون في القطاعین العام والخاص ومقدمي مساعدات التنمیة.

 

 

 

 

 

 

III.            التسویات القضائیة لقضایا إحتیال في مجال الصحة كمثال للسلوك التجاري الجشع لشركات صناعة الدواء

 

إن دافع الصناعات الدوائية لتحقيق الأرباح يمكن أن يشوِّه المعلومات المقدمة للأطباء فيما يتعلق بالأدوية. إنَّ المحاسبة القانونية والغرامات المالية ستساعد الأطباء لإتخاذ قرارات وصف الدواء بناءً على شواهد علمية جيدة وليس على المعلومات الخاطئة أو الأموال أو الخدمات التي تقدمها صناعة الأدوية لهم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية وبموجب أحكام قانون الغذاء والدواء ومستحضرات التجميل يجب على الشركة المصنعة في تطبيقها المقدم إلى إدارة الغذاء والدواء أن تحدد كل استخدام مقصود للدواء. بعد موافقة إدارة الغذاء والدواء على المنتج باعتباره آمنا وفعالا لاستخدام محدد يجب أن تقتصر الأنشطة الترويجية للشركة على الاستخدامات المقصودة التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء. ولكن في الواقع الذي يحدث أنَّ الشركة المصنّعة تروج لاستخدامات أخرى وهي ما يطلق عليها اصطلاح "الاستخدامات خارج التسمية" (Off-label use) حيث يصبح بيع الدواء بعلامة تجارية خاطئة. يحدث الترويج للأدوية خارج التسمية عندما تنخرط الشركات المصنّعة للأدوية في الترويج لاستخدام عقاقيرها غير المصرَّح بها أو "خارج التسمية". وقد تفتقر هذه الاستخدامات خارج التسمية الى البيانات السريرية الكافية لإثبات ادعاءات التسويق ويمكن أن تعرِّض الصحة العامة للخطر الأمر الذي أدى إلى تعريض الشركات للتحقيقات والعقوبات والغرامات. تاريخياً تحظر قوانين الكثير من البلدان المتطورة الترويج المباشر للأطباء والمرضى خارج التسمية. ولكن فشل طاقة الحكومات للسيطرة وكذلك ندرة الدعاوي القضائية بحق الشركات وتضاؤل ​​قدرة المسؤولين على مراقبة الممارسات غير القانونية هي وراء حدوث عواقب وخيمة على سلامة المرضى ومنع الاحتيال في مجال الرعاية الصحية وسوء استغلالهم. والأسوأ من ذلك وبسبب هذه السياسات فإنَّ المرضى المعرضين للأمراض وأطبائهم غالبا ما يكونون غير مدركين للعلاجات المناسبة للإستعمال خارج التسمية يضاف اليه نقص المعلومات الأمر الذي يعرض هؤلاء المرضى للخطر.

لقد إتهمت دعاوى المبلغین (Whistleblower lawsuits) الشركات المصنعة للأدویة في الولایات المتحدة الأمریكیة بإستغلالهم للأطباء وذلك بدفعهم الى إستعمالات غیر مصادق علیها وخلال محاضرات مدعومة بولائم (63). وعلى الأقل 10 شركات تمَّ الحاق الغرامات بها والتي قاربت 7 بلایین دولار أمریكي خلال ثلاث سنوات (2010-2008) ووعدت هذه الشركات بإجراء إصلاحات تحت ضغط التنبیه بعقوبات أخرى. وفي مثال آخر وفي الفترة من يناير 1999 إلى ديسمبر 2003 قامت شركة كلاسو سمث كلاین (GlaxoSmithKline [GSK]) بالترويج لدواء ولْبوترين (Wellbutrin) , الذي تمت الموافقة عليه في ذلك الوقت فقط للاضطراب الاكتئابي الكبير، لإستعمالات اخرى ومنها فقدان الوزن وعلاج الخلل الوظيفي الجنسي والإدمان على بعض المواد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وغيرها من الإستعمالات خارج التسمية. وقد اتهمت حكومة الولايات المتحدة شركة كلاسو سمث كلاین بدفع ملايين الدولارات للأطباء للتحدث في الاجتماعات وحضورها وأحيانا في المنتجعات الفخمة حيث تم الترويج بشكل روتيني لاستخدامات دواء ولْبوترين خارج نطاق التسمية واستخدمت أيضا مندوبي المبيعات والمجالس الاستشارية الوهمية وبرامج التعليم الطبي المستمر

(Continuing Medical Education[CME]) ، والتي من المفترض أن تكون مستقلة, للترويج لإستخدامات غير معتمدة لدواء ولْبوترين. وافقت شركة كلاسو سمث كلاین على الاعتراف بالذنب في إساءة استخدام العلامة التجارية لدواء ولْبوترين من حيث أنَّ وضع العلامات عليها لا يحمل توجيهات كافية لهذه الاستخدامات خارج التسمية. وبالنسبة لجرائم إساءة استخدام العلامة التجارية لدواء ولْبوترين مع دواء آخر اسمه براكسيل (Paxil) وافقت شركة كلاسو سمث كلاین على دفع غرامة جنائية مقدارها 757,387,200 دولار. وفي هذا الصدد نذكر على سبیل المثال أيضا أكبر تسویة قضائیة لقضیة إحتیال في مجال الصحة في تاریخ الولایات المتحدة الأمریكیة. ففي 2 من شهر آب لعام 2012 رضخت شركة كلاسو سمث كلاین كبرى صناعة الدواء في العالم للإعتراف بالذنب ودفع 3 بلیون دولار أمریكي كعقوبات مدنیة وجنائیة في صفقة مع النیابة العامة الاتحادیة في وزارة العدل الأمریكیة (55). وقد وُصفت هذه الجرائم المدنیة والجنائیة من قبل النیابة العامة بالنعوت التالية:

1.          الغش.

2.          الاحتیال في الرعایة الصحیة.

3.          وضع علامات كاذبة ومضللة على علب الأدویة.

4.          تمویل ورعایة برامج عشاء، برامج غداء، برامج التدلیك وأنشطة مماثلة لتشجیع استخدام أدویة خارج التسمیة خلال إجتماعات تعقد أحیاناً في منتجعات فاخرة.

5.          تدفع الملایین للأطباء لتعزیز الأدوية خارج التسمیة خلال اجتماعات عقدت في بعض الأحیان في المنتجعات الراقیة.

6.          تعتمد على ممثلین مبیعات الأدویة ومجالس إستشاریة وهمیة وبرامج تعلیم طبي مستمر التي یظهر كأنَّها مستقلة وفي الواقع هي لیست كذلك.

7.          تقدم تقاریر كاذبة عن أسعار الأدویة تحت مضلة نظام المعونة الطبیة الأمریكیة (Medicaid) المُعتمد في الولایات المتحدة الأمريكية، مما یجعل الأدوية تظهر بسعر أرخص مما هي علیه في الواقع. وعلى أثر ذلك وصف الرئیس التنفیذي لشركة كلاسو سمث كلاین هذه الجرائم على أنَّها أخطاء وعلى وجه الدقة بالعبارة التالیة "بالنیابة عن شركة كلاسو سمث كلاین أود أن أعرب عن أسفنا وقد تعلَّمنا من الأخطاء التي ارتكبت".

 

إضافة الى ذلك , وعلى سبیل المثال, فإنَّ مجموع الغرامات القانونیة التي تكبدتها الشركة ذاتها لعام 2010 كانت تساوي تقریباً 6.5 بلیون دولار (64). وفي تسوية مدنية بشأن ترويج شركة كلاسو سمث كلاین لدواء روزيجليتازون “أفانديا” (Roseglitazone; Avandia) للأطباء ومقدمي الرعاية الصحية الآخرين من خلال معلومات كاذبة ومضللة حول أمان استعمال هذا الدواء لمرضى السكري النمط 2 مما تسبب في تقديم ادعاءات كاذبة إلى برامج الرعاية الصحية الفيدرالية. وعلى وجه التحديد ، ادعاء الشركة أنَّ له مفعول إيجابي على الكوليسترول على الرغم من عدم وجود دراسات مضبوطة جيدا لدعم هذا الإدعاء. كما روَّجت شركة كلاسو سمث كلاین أيضا من خلال برامج تشير إلى فوائده للقلب والأوعية الدموية على الرغم من التحذيرات على الملصق المعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بشأن مخاطر استعماله على القلب والأوعية الدموية. وافقت شركة كلاسو سمث كلاین على دفع غرامة مقدارها 657 مليون دولار فيما يتعلق بادعاءات كاذبة ناشئة عن تحريفات حول دواء أفانديا.

في عام 1993 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار كابابنتين (Gabapentin)، الذي تسوقه شركة فايزر (Pfizer) تحت اسم "نيورونتين" ، لعلاج نوبات الصرع فقط. استخدمت شركة وارنر لامبرت التابعة لشركة فايزر الأنشطة العلمية بشكل غير قانوني بما في ذلك التعليم والبحث الطبي المستمر للترويج التجاري للكابابنتين بحيث يتم استخدام الدواء على نطاق واسع في غضون خمس سنوات لعلاج الألم والحالات النفسية وهي حالات لم يصادق عليها من قبل ادارة الغذاء والدواء. في عام 2004 اعترفت وارنر لامبرت بتهمة انتهاك لوائح إدارة الغذاء والدواء من خلال الترويج للدواء لهذه الاستخدامات خارج التسمية وهي الألم والحالات النفسية والصداع النصفي ومرضى السكري واستخدامات أخرى غير مصرح بها (65).  دفعت الشركة 430 مليون دولار للحكومة الفيدرالية لتسوية القضية (66). وقد كشف الوصول إلى وثائق صناعة الأدوية عن استراتيجيات التسويق المستخدمة للترويج للأدوية للاستخدام خارج التسمية (67)

تتابع الحكومة الفيدرالية الأمريكية بقوة القضايا الجنائية والمدنية ضد شركات الأدوية وموظفيها للترويج لإستخدامات الأدوية الموصوفة خارج نطاق التسمية (63). ومن الجدير ذكره أنِّ هذه الإستعمالات غير المُقرة تستمر وعلى نطاق واسع في كثير من البلدان ومنها العراق.

وبين عامي 2003 و2008 رفع المدعون الفيدراليون الأمريكيون والمدعون العامون في الولايات المتحدة أكثر من اثنتي عشرة قضية ضد شركات تصنيع الأدوية لتسويقها خارج العلامات التجارية وغرموا الشركات أكثر من 6 مليارات دولار في التسويات الجنائية والمدنية (68). في سبتمبر 2009 دفعت شركة فايزر 1.3 مليار دولار وهي أكبر غرامة جنائية تم فرضها على الإطلاق في الولايات المتحدة ، لتسويق عقار بكسترا (Bextra) خارج العلامة التجارية وثلاثة أدوية أخرى. دفعت شركة فايزر مليار دولار إضافي كغرامات مدنية ناتجة عن نفس الأنشطة غير القانونية (69).

إنَّ عدد وحجم القضايا الجنائية الفيدرالية وللولايات الأمريكية ضد شركات صناعة الأدوية انخفض بشكل ملحوظ في عامي 2014 و 2015 (70). ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا الانخفاض يمثل اتجاهاً طويل الأمد . واستمرت العقوبات المالية في التقلص مقارنةً بـأرباح الشركة ، حيث بلغت الغرامات البالغة 35.7 مليار دولار من عام 1991 حتى عام 2015 التي تشكل  5٪  فقط من صافي الأرباح البالغ 711 مليار دولار الذي حققته 11 شركة أدوية عالمية كبرى خلال 10 سنوات فقط من تلك الـ 25 سنة (2003-2012). مع العلم لم يتم استبعاد الشركة الأم مطلقا من المشاركة في برنامج العناية الطبية وبرنامج المساعدة الطبية الأمريكية

( Medicare و Medicaid ) بسبب أنشطة غير قانونية الأمر الذي يعرض الصحة العامة للخطر ويستنزف البرامج الممولة من دافعي الضرائب. كما لم يُحكم على أي مسؤول تنفيذي كبير بالسجن لتسببهه بممارسة الشركات أنشطة غير قانونية. كما أنَّ عقوبات أكبر بكثير ومحاكمات ناجحة للمديرين التنفيذيين في الشركات التي تشرف على الاحتيال المنهجي بما في ذلك أحكام السجن إذا كان ذلك مناسبا ، هي ضرورية لردعها من السلوك غير القانوني في المستقبل. وإلا فإن هذه الأنشطة غير القانونية والمربحة ستستمر كجزء من نموذج أعمال الشركات. وفي هذا الصدد نشرت مقالة إفتتاحية في المجلة الطبية البريطانية (71) وقد قالت الحق في توضيح سبب عدم توقف التسويات الجنائية ضد شركات الأدوية بسبب سلوكها الإجرامي في صناعة الأدوية (77-72)

وقد اشارت التقارير الى أنَّ حوالي 20% فقط من جميع الجرائم التي ترتكبها شركات الأدوية هي من الحالات التي يتم التقاضي فيها وتسويتها. أما بالنسبة لمشكلة الفساد في الدراسات العلمية التي تُستخدم للموافقة على الأدوية فلا تظهر ولا تُمَّسْ حتى في الدعاوى القضائية. كما تشير هذه المقالة الى أنَّ الغرامات والعقوبات المفروضة على الشركات هي صغيرة جداً وهي تعتبر ببساطة جزءا من تكلفة ممارسة الأعمال التي تؤدي إلى ارتفاع اسعار الأدوية للمستهلكين. ومن جانب آخر هل تشكل العقوبات الجنائية والمدنية التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات رادعا هاما لخرق شركات الأدوية العالمية للقانون؟ ففي هذا الصدد لجأت الحكومة الأمريكية في عام 2018 لغرض المراقبة الخارجية الى عقد اتفاقيات نزاهة الشركات (78) 

(Corporate Integrity Agreement) التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة في عام 2018 لمنع تكرار الأنشطة غير القانونية والتي تستمر لمدة خمس سنوات بعد التوقيع. ولكن تعتبر هذه التسويات المدنية رادع إضافي فقط إذا كان حجم العقوبات يفوق مكاسب الشركات أثناء انتهاك القوانين وفقط إذا كان تطبيق المراقبة فعالاً. لسوء الحظ ليس هذا هو الحال. يستند هذا الرأي إلى التصعيد الحاد الأخير في التكرار الذي تنخرط به العديد من شركات الأدوية العملاقة متعددة الجنسيات مرارا وتكرارا في نشاط إجرامي ومدني غير قانوني بعد دفع غرامات هائلة في السابق وعلى الرغم من المراقبة التي تُجريها وكالة المخابرات المركزية يبدو أنه بالنسبة لبعض الشركات أصبح ارتكاب مثل هذه الانتهاكات الجنائية والمدنية جزءا من نماذج أعمالها.

ومن الجدير ذكره هو تذرع رؤساء الشركات الكبرى وكبار الشخصيات في الصناعة بالجهل لتجنب الذنب. وبهذا الصدد الجهل لا يعني غياب المعرفة فغالبا ما يُنظر إلى الجهل (Ignorance) والمعرفة (knowledge) على أنهما ظواهر معاكسة. يُنظر إلى المعرفة على أنها مصدر للقوة والجهل كعائق أمام تعضيد السلطة في المجال السياسي والمؤسسي (79). ويستخدم الجهل من خلال طُرق مختلفة كمدخر إنتاجي يساعد الأفراد والمؤسسات على التحكم بالموارد وإنكار المسؤولية في أعقاب الأزمات والتأكيد على الخبرة في مواجهة النتائج غير المتوقعة. أما الجهل المتعمد (Deliberate ignorance) فيُعرف باسم "تعليمات النعامة"

‘Ostrich Instruction’ في المحاكم القانونية منذ ستينيات القرن التاسع عشر (80). واستنادا الى ما تقدم ذكره قد تجد الشركات نفسها مسؤولة إذا مارست أياً من الممارسات غير القانونية التالية:

أ‌.        تصنيع دواء أو جهاز عندما تعرف الشركة عيبه: يخرق المُصنّعون القانون عندما يصنعون دواءً أو جهازا به عيوب خطيرة معروفة. ويُعد هذا انتهاكا لقانون المطالبات الخاطئة عندما يتم تقديم هذه المنتجات أو بيعها للناس على نظام التأمين الصحي في أمريكا (مديكير ، مديكيد وتريكير) لأن هذه البرامج تمولها الحكومة الفيدرالية. يمكن أيضا تحميل شركات الأدوية المسؤولية إذا تستروا أو أخفقوا في الإبلاغ عن العيوب أو المشكلات المعروفة إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

ب‌.    تسويق جهاز للاستخدام غير المعتمد من قبل إدارة الغذاء والدواء أو الاستخدام خارج التسمية: على الرغم من أنه يمكن للأطباء وصف الأدوية والأجهزة للاستخدام خارج التسمية من قبل المرضى ، لا يمكن للمصنعين تسويقها لأي استخدام آخر غير ما تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ((U.S. Food and Drug Administration والقيام بذلك يُعد انتهاكا واضحا لقانون الادعاءات الكاذبة. إنه أيضا انتهاك إذا قدمت شركة دواء أو جهاز طبي للأطباء حافزا ماليا لتشجيع استخدام منتجاتهم خارج نطاق العلامة التجارية.

ت‌.      توفير عمليات إعادة التأهيل للمهنيين الطبيين: يُعد تقديم حوافز مالية للأطباء أو الممرضات أو المستشفيات أو أي شخص آخر يتخذ قرارات شراء مقابل استخدام منتجاتهم مما يخالف القانون. ينطبق هذا على المنتجات المدفوعة مقابل برامج الرعاية الصحية الممولة من الحكومة الفيدرالية. وهذا يعني أن النقد والهدايا العينية بما في ذلك المنح المفتوحة والإجازات والرحلات إلى المؤتمرات خارج بلد الطبيب ورسوم الاستشارات كلها غير قانونية. وجرائم بيع الأدوية خارج التسمية لا تقتصر على البيع المباشر المذكور اعلاه وانما كذلك عبر الإنترنت وثمة أمثلة كثيرة جدا على ذلك ومنها على سبيل المثال التحقيقات الجنائية التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية التي أُجريت في عام 2016 بشأن ترويج وبيع الأدوية غير القانوني وبدون وصفات طبية (81).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

IV.            مراقبة الأدویة والنهج الواقعي للتطبيق

Drug surveillance and a real-world approach for drugs

 

إنَّ العدید من الآثار الجانبیة وتفاعلات العقاقیر وفعَّالیتها لا یمكن كشفها عندما تتم الموافقة من الجهات العلمیة المختصة على صرف الأدویة للإستعمال (26). ولكن یمكن العثور علیها فقط بعد أن تُستخدم هذه الأدویة من قبل الملایین من الناس ولفترة طویلة (52, 59). وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التقاریر المتوفرة حالیاً كلها مدعومة من قبل شركات صناعة الأدویة ویمكن القول بأنَّ قدرتها تكون محدودة للكشف عن النتائج السلبیة. ووكالات تنظیم الأدویة من غیر المحتمل أن تكون البیانات التي تُقدم لها عن سلامة الأدویة (أي قاعدة بیانات الرعایة الصحیة) مستقلة عن الروابط مع الصناعة الدوائیة (52, 59). وعلى هذا الأساس جذبت الدراسات السريرية اهتمام الأوساط الطبية في الآونة الأخيرة. حيث ينتقد الكثير من الشرفاء النزيهين حالة التحكُّم من قبل صناعة الأدوية على تصميم واجراء وتحليل التجارب السريرية. يعتمد الأخصائيون بشكل كبير على البيانات التي يتم الحصول عليها من الدراسات السريرية ومن التحليل التلوي ومن المقالات المنهجية

(Clinical trials and meta-analysis and systematic reviews).

وينعكس هذا بشكل كبير وسلبي على عملية نشر الدراسات السريرية وكذلك تحديد الصناعة الدوائية للخطوط التوجيهية للممارسة السريرية. والأخطر من ذلك تأثيرها المتنامي على وكالات تنظيم صرف الأدوية وحتى أصحاب القرار من السياسيين. فعندما لا يمكن التحقُّق والإستجواب من قبل باحثين مستقلين عن التجارب التي ترعاها وتمولها شركات صناعة الدواء يتوقف العلم عن الوجود ويصبح مجرد تسويق تجاري. وعلاوة على ذلك فالمؤسسات القائمة على الطب الجامعي لم تنظر الى مشكلة مراقبة الأدویة كمسعى أكادیمي یستحق المتابعة. ففي عام 2009 وجدت إحدى الدراسات أن "عددا من المؤسسات الأكادیمیة" لم یكن لدیها خطوط توجیهیة واضحة للعلاقات بین مجالس المراجعة المؤسسیة والصناعة. وفي هذا الصدد أُجریت دارسة إستبیانیَّة في عام 2005 شملت الأطباء المقیمین في الطب الباطني وأطبائهم الإختصاص في مستشفى لأحد المراكز الطبیة الأكادیمیة المستقلة (82).

لقد بیَّنت نتائج الإستبیان أنَّ أغلب الأطباء الباطنیین المقیمین والبالغ عددهم 81 طبیب والذین استجابوا للإستفتاء (69.2 %) ومعلمیهم من الأطباء الإختصاص البالغ عددهم 196 طبیب والذین إستجابوا للإستفتاء (75.7 %) یعتقدون أنَّ العلاقات مع شركات صناعة الدواء لها تأثیر سلبي على عملیة التعلیم وجوهر العلاقة بین المدرسین وطلبتهم في مختلف المجالات التعلیمیة ویرغبون بأنْ یُصرِّح التدریسیون عن كل علاقاتهم المادیة مع هذه الشركات. وكانت النتائج هذه بمثابة موجِّه لتطویر أكثر للسیاسات والمناهج التي تُعنى بالعلاقات مع الصناعة ضمن التعلیم الطبي الأولي (83).

وعلیه یجب دعم الجهود التي تهدف الى خلق سیاسات على مستوى الكلیات والمعاهد الطبیة والجمعیات المهنیة الطبیة وإستحداث قوانین للكشف عن المصالح المتبادلة ودعمها وإعتماد سیاسات مدونة لرعایة وخلق أجواء من التثقیف الطبي المتحرر من المصالح المادیة في الكلیات والمعاهد الطبیة والمستشفیات التعلیمیة. وقد بیَّنت إحدى الدراسات أنَّ الإفراط في الإعلانات الدوائیة في المجلات الطبیة قد یخلق حالة من التحیُّز من قبل محرریها وقرائها وربما یكون مُشتِّت للأفكار ومزعج (84-87).

كما أنَّ تضارب المصالح مع المجلات الطبية التي تنشر التجارب السريرية والبحوث العلمية تمَّ أيضا توثيقه بشكل جيد. فالإعلانات من قبل الجهات الصناعية في هذه المجلات يشكل مصدر دخل رئيسي للمجلات وهذا الاعتماد له تأثير خطير على موضوعيتها وثمة امثلة واضحة على ذلك. كما أنَّ تضارب المصالح الذي یكمن وراء الإعلانات الدوائیة في المجلات الطبیة قد یكون جسیماً وأنَّ تأثیره على الإستقلالیة المالیة للجمعیات الطبیة المهنیة وسلوكها هو الآخر كبیر ومهم (82, 89,88 ).

وقد أطلقت إدارة الغذاء والدواء الأمریكیة حملة توعیة تحت عنوان برنامج الإعلان السئ والذي یهدف الى تشجیع العاملین في مجال الرعایة الصحیة الى التعرُّف على حالات الترویج للأدویة التي یُشتبه بها أنْ تكون غیر صادقة ومضللة لهم والتبلیغ عنها لكي یُصار الى التحقیق فیها والتحري عن صحتها لغرض إتخاذ الإجراآت القانونیة بحق الشركات المصنعة لهذه الأدویة. كما یمكن رفع تقاریر الى صفحة الإنترنت المعروفة بمَدْ ووْجْ (MedWatch) والتابعة الى اللجنة المسؤولة عن “برنامج التقریر عن معلومات السلامة والأعراض الجانبیة التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأمریكیة”  (90)

 (The fda safety information and adverse event reporting program)

عند ملاحظة حدوث أو حتى الشك في حدوث اعراض جانبیة لمنتجات طبیة تُستعمل للبشر ویشمل ذلك تأثیرات جانبیة مهمة وأخطاء في إستعمال مُنتج ما ومشاكل في جودة المنتج وفشل أو إخفاق علاجي. وفي هذا الصدد وجد تقرير سابق ينذر بالخطر عن أحد المعاهد الطبية أنَّ الأعراض الجانبية الضارة للأدوية تصيب ما يقدر بنحو 1.5 مليون شخص سنويا وبتكلفة تقارب 3.5 مليار دولار (91).

وفیما یلي أمثلة لأ كثر المشاكل شیوعاً والتي تصل إدارة الغذاء والدواء الأمریكیة

( 92):

1.     المبالغة في الحدیث عن فعَّالیة الدواء. وكمثال على ذلك عندما یقول مندوب المبیعات "أنَّ الدواء الفلاني هو %90فعَّال للمرضى" وأنَّ الطبیب قد تعلَّم لاحقاً بأنَّ الدراسات قد أظهرت 50 % فعالیة عند المرضى الذین إستعملوه.

2.     إهمال أو التقلیل من مخاطر المنتج الدوائي. وكمثال شائع للإنتهاك هو عرض الدواء بطریقة تُركِّز على المنافع ولیس المخاطر. فهي تركِّز على اظهار الجانب المشرق لدواء ما في حين انَّ ما يُنفَّذ ينطوي على سوء.

3.     تشجیع إستعمال الأدویة لمجموعة أوسع من المرضى خلافاً لما جاء في لائحة المصادقة على إستعماله أو حتى إدعاء إستعمال جدید بالكامل غیر مدرج في التعلیمات المرفقة مع الدواء والمصادق علیها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمریكیة. إنَّ مثل هذا الإستعمال یجب أنْ یُنظر الیه بجدیة بسبب كون المصادقة على الدواء لم تذكر سلامته وفعالیته لمثل هؤلاء المرضى أو تلك الحالات.

4.     إجراء مقارنات لا أساس لها بین الأدویة. فلكي تكون المقارنة صحیحة یجب إختبار الدوائین سویة ومقابل أحدهما للآخر  (Head-to-head trials) لغرض تحدید الفوارق بینهما.

 

والى أنْ تصبح أدوات المراقبة الخالیة من تأثیر الصناعة متكاملة لتوفیر البیانات القویة سوف تبقى معضلات الشك والریبة بشأن الآثار السلبیة دون حلول.

وبإختصار يسمح نظام الإبلاغ عن الاعراض الضارة لأي شخص بالإبلاغ عن إصابات و/ أو وفيات ناجمة عن المنتجات الطبية. ومن السهل تقديم تقرير للمستخدم العادي ولا يلزم ذلك سوى اتصال عن طريق الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك ، توفر خدمة معلومات نظام الإبلاغ معلومات شاملة وحديثة عن تحذيرات الأدوية وعمليات الاستدعاء والتغييرات في البطاقات التعريفية كما تقدم مجموعة متنوعة من طرق التسليم بما في ذلك (RSS) "أر أس أس"  والبريد الإلكتروني وقسم الأخبار على الموقع الإلكتروني والذي يتم تحديثه بانتظام.

وفي المملكة المتحدة يجرى هذا من خلال ما يُسمى منظومة البطاقة الصفراء

(Yellow Card System) وهي بطاقات بريدية مجانية تُسلَّم إلى جميع الأطباء مما يُسَّهل استخدام هذه المنظومة وبإمكان المرضى أنفسهم أيضا أن يُبلِّغوا عن الآثار السلبية التي يشتبهون بها عن طريق الإنترنت على الموقع (93).

وتفيد هذه المنظومة في اكتشاف الآثار الجانبية غير المعتادة. ففي بريطانيا يوجد هيئة الخدمات الصحية الوطنية وهي تعتمد اعداد كبيرة من السجلات الصحية التي يمكن فيها توثيق منافع الأدوية وأعراضها الجانبية. فهي تتضمن ما يُسمى قاعدة البيانات البحثية للأطباء الممارسين حيث توثق بيانات المرضى المشفرة أسمائهم بعناية لضمان عدم التصريح بأسماء المرضى. وهذه السجلات تكون محميةً ويكون باستطاعة الباحثنين في شركات الأدوية ومراقبي الأدوية والجامعات أن يُقدموا ٍ طلبات للاطلاع على أجزاءٍ معينة من البيانات الخاصة بالمرضى لمعرفة ما إذا كان ثمة أدوية معينة مرتبطة بأضرار غير مرغوب بها.

وبنفس السياق نادى الكثيرون بتأسيس وكالة للأمان العقاقري مهمتها مراقبة المخاطر المحتملة لأي عقار بعد طرحه في السوق الدوائية وأكدوا على أن تكون هيئة مستقلة، لها سلطاتها وكادر عملها المنفصلان تماما عن الهيئات المسؤولة عن المصادقة على الأدوية قبل طرحها في السوق (94).

وقد يعتقد البعض أنْ ذلك غير قابل للتطبيق ولكنه يعالج واحدةً من أكثر المشكلات إثارةً للجدل التي اكتُشفت ضمن ممارسات هيئات مراقبة الأدوية في أنحاء العالم الذين غالبا ما يمتنعون عن سحب دواء ما خوفا من أن يُعد هذا اعترافا منهم بإخفاقهم في اكتشاف المشكلات الموجودة فيه في الدرجة الأولى. ومن الجدير ذكره أنَّ الجهل يعتبر مشكلة اجتماعية خطرة ذات عواقب مميتة (95). فكيف اذا أُستهدف واصفي الأدوية الأطباء بعملية التجهيل ويضاف له استعداد الكثير من الاطباء الذين لا تهمهم المعرفة الحقيقة بالأدوية فهم ينصاعون طوعيا أو عمدا وبهدف الربح المادي الى ما تُمليه عليهم شركات صناعة الأدوية فيصبح لسان حالهم كالسماسرة أو البغبغاوات. أما جهل المجتمع فله دَوْر فعَّال في تضخيم هذه المشكلة وهكذا يساهم الفهم غير الدقيق أو غير الكافي للمشكلة بين العاملين في مجال الصحة والجمهور (96). وهنا يلعب دَوْر مهم هو عدم رغبة الشركات في أن يعلم الأطباء ومن ثم الضحايا المرضى بأضرار أدويتها من خلال نشر الجهل بحقائق أدويتها. فهي تمارس العلم الذي يدرس بتعمد الأنشطة والأفعال المساعدة في نشر الوهم والغموض حتى يتسنى للشركات بيع منتجاتها أو تحقيق ما تريده. بدأ علم الجهل منذ عقود عديدة  بالظهور بعدما لوحظ أن دعايات شركات الأدوية التي تهدف إلى تجهيل عموم الأطباء بشأن مخاطر أدويتها. ففي الوثائق الداخلية التي تم نشرها من أرشيف إحدى شركات الأدوية الشهيرة تبيّن أن أبرز ستراتيجية لنشر الجهل كان عن طريق إثارة الشكوك في البحوث العلمية التي تربط أدويتها بالأعراض الجانبية الخطرة. ومن حينها انطلق لوبي صناعة الأدوية برعاية أبحاث علمية مزيّفة هدفها تحسين صورة الأدوية التي تصنعها ونشر الجهل حول مخاطرها. فالشركات تصرف ملايين الدولارات لباحثين أكاديميين لتنفيذ مهمة تغيير فهم المجتمع وفي مقدمتهم الأطباء حول أدويتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  V.            انتشار الأدوية المتدنية النوعية والمغشوشة وأسباب ذلك

إن العوامل التي تُشجِّع على انتشار الأدوية المتدنية النوعية والمغشوشة مختلفة ولكنها متداخلة. بشكل عام ، يؤدي إهمال طرق التصنيع الجيدة ، العرضي والمتعمد ، إلى تداول الأدوية دون المستوى المطلوب. في حين أنَّ تزوير الأدوية له ارتباط بالجريمة والفساد. يتم تداول كلا النوعين من المنتجات بسبب عدم انتظام العرض والطلب المستمر على الأدوية ونقاط الضعف في الهيكل التنظيمي. يساهم الفهم غير الدقيق أو غير الكافي للمشكلة بين العاملين الصحيين والجمهور في تضخيم المشكلة.

 

أسباب الأدوية غير القياسية

إن الأدوية دون المستوى هي تلك المنتجات التي لا تفي بالمواصفات التي حددتها السلطة التنظيمية والمحددة في دستور الأدوية أو ملف الشركة المصنعة. يمكن ، على سبيل المثال ، صنع الأدوية دون المستوى بطريقة لا تذوب بشكل صحيح أو قد تكون ذات صلابة أو أسمولية غير صحيحة أو قد تحتوي على جرعات غير مناسبة من المكونات النشطة أو مصنوعة من مكونات غير نقية أو غير مستقرة. إن فشل ممارسات التصنيع الجيدة هو السبب الجذري للأدوية دون المستوى المطلوب.

 

تفاوت مستويات جودة التصنيع

يمكن أن ترتكب أي شركة أخطاء لكن الالتزام بممارسات التصنيع الجيدة يجعل الأخطاء أقل احتمالاً ويسهل تصحيحها. لا يحتاج المصنع الذي يتم تشغيله وفقا لأفضل الممارسات إلى أن يكون الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية أو استخدام أحدث المعدات ، ولكن هناك تكاليف لرفع مستوى المصنع الى المستوى القياسي وتدريب الموظفين على البروتوكولات المناسبة ومراقبتها باستمرار. هناك العديد من الشركات المصنعة المثالية في البلدان النامية التي تراعي أفضل المعايير الدولية. هناك أيضا العديد ممن لا يفعلون ذلك ، لكنهم يعملون على أي حال ، إما لأنَّ السلطة التنظيمية ليست على دراية بالمشكلة أو لأن المنظمين يتعرضون لضغوط لتجاهلها بحجة تعزيز الصناعة. ويمكن تلخيص الأسباب التي تؤدي الى رداءة الأدوية بالنقاط التالية:

1.          التكاليف العالية للمعدات والموظفين والعملية اللازمة لتلبية طرق التصنيع الجيدة حسب المقاييس العالمية في صناعة الأدوية.

2.          نقص رأس المال الاستثماري وضعف البنية التحتية يعيقان بعض شركات الأدوية الصغيرة والمتوسطة الحجم في البلدان النامية عن تلبية المعايير الدولية.

3.          نقص الاستثمار في تصنيع الأدوية والذي يكلف المرضى الفقراء المزيد من الأموال مقابل الأدوية دون المستوى المطلوب.

4.          ينتج المصنعون عديمو القيم عمداً أدوية ذات جودة رديئة إذا كانت احتمالات تصريفها مواتية.

5.          عندما تكون الفحوصات التنظيمية على الإنتاج غير رصينة يمكن أن تساعد ممارسات الشراء في ضمان حصول الشركات المصنعة النزيهة على أكبر حصة في السوق.

6.          عدم اتباع نظام ضمان الجودة النموذجي لمنظمة الصحة العالمية للمشتريات وهو معيار مستقل مفيد لوكالات الشراء.

7.          عدم اتباع وكالات المشتريات الوطنية والدولية إرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن المشتريات. كما لا ينبغي للوكالات الصغيرة الشراء مباشرة من الشركات المصنعة.

 

وهذه كلها حتما تقتضي مراقبة الجودة كجزء أساسي من ممارسات التصنيع الجيدة التي يتم تجاهلها في البلدان النامية. توصي خلاصة منظمة الصحة العالمية حول تصنيع الأدوية أهمية وجود موظفين لمراقبة الجودة منفصلين عن موظفي الإنتاج يعملون في إدارة مستقلة (97). ويجب أن يشرف مدير مدرب على مراقبة الجودة على هذا القسم ويدير مختبرا مجهزا لمراقبة الجودة (98). ويجب أن يتحقق موظفو مراقبة الجودة من أن كل ما هو جزء من منتج المصنع، بما في ذلك التعبئة والتغليف ومواد البدء والوسائط والمنتجات النهائية، يفي بالمتطلبات. يمكنهم أيضا إجراء عمليات التفتيش الداخلية ومراجعة الجودة وتقييم ضوابط الجودة المستخدمة من قبل مورديهم (94).

إنَّ الصناعات الدوائية في أفقر البلدان لا تقوم إلا بصياغة وإعادة تغليف الأدوية الجاهزة والتي تسمى أيضا الإنتاج الثانوي والثالثي(97). إنَّ تأكيد تدابير مراقبة الجودة التي يستخدمها الموردون الذين غالبا ما يكونون في بلدان أخرى أمر صعب للغاية بالنسبة لهذه الشركات.

الجودة الجيدة لا تأتي بدون ثمن إما من تكاليف المعدات أو المكونات الأفضل أو التكلفة العالية لضمان الجودة. يشكل نظام تنقية المياه خطرا كبيرا على نمو الميكروبات في أي مصنع للأدوية ويجب مراقبته بحذر (97). فالتلوث الجرثومي هو أكثر تهديد في البلدان ذات نوعية المياه الرديئة كما أنَّه لا يمكن تشغيل الكثير من المعدات على مصادر طاقة غير منتظمة (99).

يحتاج مصنعو الأدوية أيضا إلى نظام تنقية الهواء ومنع الغبار والبقايا من منطقة عمل واحدة من تلويث أجزاء أخرى من المصنع (97). تصبح كفاية تنقية الهواء أكثر أهمية في مناطق المصنع حيث تتم معالجة المنتجات المختلفة في نفس الوقت وتكثر فرص انتقال التلوث.

بعض شركات الأدوية صغيرة الحجم تصنع القليل من المركبات المكتملة ، لكن البعض الآخر يصنع مجموعة واسعة من المنتجات. لا تستطيع الشركات الصغيرة بشكل عام تخصيص معدات خاصة بكل منتج معين وعليه أصبح التحقُق من صحة تنظيف المعدات وتنظيفها أمرا مهما بشكل خاص. عندما لا يتم تنظيف المعدات المستخدمة لمنتجات متعددة بشكل صحيح ، ولم يتم التحقُق من صحة التنظيف قبل تغيير خط الإنتاج ، يمكن أن تصبح الأدوية المنتجة ملوثة ويصعب اكتشاف هذا النوع من التلوث. تختبر فحوصات مراقبة الجودة عموما وجود المكونات المعروفة وليس النطاق الواسع للملوثات غير المعروفة المحتملة. يتطلب التصنيع الدوائي الجيد من منتجي الأدوية اتباع بروتوكول التنظيف المنصوص عليه في إجراءات التشغيل القياسية الخاصة بهم واتباع التنظيف باختبار التحقُق من نقاوتها (97, 99).

هناك نفقات كبيرة ضرورية لشركات الأدوية لاتباع ممارسات التصنيع الجيدة. تعمل الشركات متعددة الجنسيات ، سواء المبتكرة أو الجنيسة ، على نطاق يسمح لها باسترداد تكاليف تشغيل مصانع عالية الجودة. هذا لا ينطبق على العديد من الشركات المصنعة الصغيرة في البلدان النامية. في الهند ، على سبيل المثال ، تزود شركات الأدوية الكبيرة الأدوية واللقاحات بأعلى جودة لكل بلد في العالم ، لكن الآلاف من صغار المصنعين يكافحون من أجل تنفيذ إجراءات ضمان الجودة ومراقبة الجودة (100). وجدت دراسة أجراها البنك الدولي أن عُشر الصيدليات الهندية المسجلة تُبلغ عن أدوية دون المستوى المطلوب يأتي معظمها من منتجين صغار ومتوسطي الحجم (100). نظرا لأن الصيدلية المسجلة هي منفذ الأدوية الأكثر تنظيما في الهند ، فمن المفترض أن تكون نسبة الأدوية دون المستوى التي تُباع في السوق غير الرسمية أعلى من ذلك بكثير. لا تقتصر المشكلة على الهند ففي دراسة استقصائية عن جودة المضادات الحيوية في إندونيسيا وجد الباحثون أن 89 بالمائة من عينات كوتريموكسازول (Cotrimoxazole) المصنَّع من إحدى الشركات المحلية كانت دون المستوى المطلوب (101).

أشار نقاد التصنيع المحلي إلى هذه المشاكل كأسباب ضد تصنيع الأدوية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل (102).  قد تكون هذه حجة ذات نظرة قصيرة. يُعد التصنيع المحلي للأدوية جزءاً مهماً من السياسة الصحية والصناعية في العديد من البلدان. من المفهوم أن الحكومات حريصة على ضمان توفير مأمون من الأدوية لسكانها. من الناحية النظرية ، يمكن أن تكون المنتجات المصنوعة محليا أرخص بسبب انخفاض تكاليف الشحن المدمجة في السعر النهائي (103). كما يوفر تصنيع الأدوية للناس وظائف ويسهل نقل التكنولوجيا (104). كما أنَّ الشركات التي تبدأ في تغليف الأدوية الجاهزة فقط ستعمل ببطء على تطوير القوى العاملة المدربة اللازمة لتصنيع ثانوي وأولي أكثر تعقيدا.

 

الإنتاج المتدرج

من الناحية العملية من الصعب التمييز بين إخفاقات الجودة التي يتم إلقاء اللوم عليها على عدم قدرة الشركة المصنعة على تلبية أفضل المعايير الدولية من تلك التي تأتي من قرار اختصار الطريق وإنتاج منتجات رديئة للأسواق سيئة التنظيم. عندما يفشل منتج قادر على تلبية المعايير الدولية في القيام بذلك باستمرار وينتج فقط خطوط إنتاج تباع لدول تفتقد الى أنظمة يمكن للمرء أن يستنتج أن عدم الامتثال جزء من نظام أكثر مكرا.

تَفرض الدول الغنية معايير عالية الجودة للأدوية ويدرك المصنعون الحاجة إلى استخدام مكونات عالية الجودة وممارسات تصنيع جيدة لبيعها في هذه الأسواق. سترفض وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المعونة الدولية الكبرى أيضا التعامل مع الشركات التي لا تستطيع تلبية معايير الجودة الصارمة للسلطات التنظيمية. ومع ذلك يدرك المصنعون أن الدول منخفضة ومتوسطة الدخل أقل احتمالا لتطبيق هذه المعايير. تستغل بعض الشركات هذا وتنتج أدوية ذات جودة أقل للأسواق غير المُنظَّمة (105). وعندما تنتج الشركة المصنعة أدوية ذات جودة منخفضة لأسواق أقل تشددا فإنها تُعرف بالإنتاج المتدرج أو الموازي (106).

 

أسباب الأدوية المغشوشة

إن المُنظِّم المسؤول عن انتقاء الأدوية ، الذي يتمتع بسلطة ترخيص الشركات المصنعة وتسجيل الأدوية ، يمكنه العمل ضد المنتجات التي تصنعها الشركات المصنعة المعروفة. عندما يتم تمثيل الشركة المصنعة بشكل خاطئ ، فهذا غير ممكن. يمكن للجهة التنظيمية فقط تأكيد أن المنتج غير معروف وتحويل القضية إلى تطبيق القانون. وهنا يواجه رجال الشرطة والمحققون الذين يرثون هذه القضايا مهمة صعبة في جمع الأدلة الكافية للمحاكمة وعادة ما يكون هناك القليل ، إن وجد ، لربط الأدوية المغشوشة في السوق بالجاني. من الصعب أيضا إقناع الوكلاء بالتحقيق في جرائم الأدوية عندما يكونون تحت ضغط فوري لمقاضاة مرتكبي جرائم القتل والجرائم العنيفة الأخرى. لكل هذه الأسباب يُطلق على تزييف الأدوية اسم الجريمة الكاملة (107-109).

يعتبر صنع الأدوية المزيفة جريمة انتهازية وهي أكثر شيوعا في الأماكن التي تكون فيها الرقابة التنظيمية ضعيفة أو معدومة حيث يسمح الفساد بتصنيع الأدوية المغشوشة والاتجار بها وتوزيعها وغالبا ما يتم رشوة المسؤولين الحكوميين المتواطئين من الإيرادات المتأتية من تجارة الأدوية غير المشروعة. وقد يقوم المجرمون عن عمد بتسعير المنتجات المغشوشة بسعر أقل قليلاً من الأدوية المشروعة من أجل ضمان حصتها في السوق مع تجنب اشتباه المستهلك. وشركات الأدوية الكبرى لديها إدارات أمنية تعمل مع المنظمين ووكالات تنفيذ القانون. ويجب على وكالات تنفيذ القانون أنْ تتخذ إجراءات صارمة ضد الجرائم المتعلقة بتجارة الأدوية. وعلى سبيل المثال تضاعفت عمليات ضبط الأدوية المغشوشة ثلاث مرات في البرازيل وأدت إلى اعتقال 1900 شخص في الصين.

 

الفساد والجريمة المنظمة

إنَّ صنع دواء مزيف ليس بالأمر الصعب. تتم إدارة العمليات الأقل تعقيدا باستخدام كبسولات فارغة يتم شراؤها في السوق المفتوحة أو مكبس حبوب يدوي وأي مسحوق يتم تحميله فيه. تكاليف إنتاج الأدوية المقلدة منخفضة (111,110). ولأن سلسلة التوريد المشروعة وغير المشروعة تختلط في الأسواق غير المُنظَّمة فإن احتمالات الإفلات من الجريمة تكون واردة جدا. كما تتحمل البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل العبء العالمي للأدوية المغشوشة ودون المستوى بشكل غير متناسب. هناك أدلة كثيرة على أن المجرمين يستهدفون في كثير من الأحيان الأدوية المضادة للعدوى غير المكلفة ، ويرجع ذلك في الغالب إلى شرائها في كثير من الأحيان من قبل شريحة أكبر من السكان. ولذلك يصف مكتب الأمم المتحدة المعني بالأدوية والجريمة جعل الأدوية المغشوشة جريمة انتهازية تَظهر حيث تكون القدرة التنظيمية مُنخفضة وحيثما تكون الأرباح أعلى (112). وفي هذا السياق فإنَّ مروجو الطب البديل الذين يبيعون الفيتامينات وأدوية المعالجة المثلية السكرية التي لا تقدم أكثر مما تقدمه الأدوية الوهمية في الاختبارات العلمية ليس لهم دَوْر في تجاوز هذه المشاكل. فهؤلاء التجار غالبا ما يتظاهرون بأن عملهم يستطيع أنْ يتحدى بطريقة ما تنتجه شركات صناعة الأدوية. وفي الحقيقة هم يتسببون بنفس الجرائم ويتبعون ببساطة وسائل ترويج نفسها ولكن على نحو بدائي وساذج.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

VI.            تنظیم إستعمال الدواء ودَوْر الدوافع التجاریة للشركات المصنعة للأدویة

 

إنَّ المراقبة بعد التسویق هي أمرٌ أساسيّ لتطویر فهم كامل للتوازن بین المنافع والآثار السلبیة. وهناك حاجة إلى مزید من العمل في تحلیل بیانات التقاریر الذاتیة للمرضى عن الآثار السلبیة وكذلك قواعد البیانات الحاسوبیة وتصمیم الدارسات المخصصة وتصمیم دارسات الجدوى الاقتصادیة العشوائیة الكبیرة (113).

تقدر مراكز خدمات ميديكير وميديكيد (Medicare and Medicaid Services) في الولايات المتحدة الأمريكية نفقات العقاقير التي تستلزم وصفة طبية بحوالي 335 مليار دولار أمريكي في عام 2018 على سبيل المثال (114) (الرسم البياني رقم 1 ).

 


الرسم البياني رقم 1

 

وتشمل هذه المبالغ فقط الإنفاق على مبيعات الأدوية بالتجزئة ومستثناة من نفقات البيع بالجملة. يمكن أن تختلف تقديرات الإنفاق على الأدوية باختلاف المنظمة التي تحقق عن النفقات.

إنَّ إزدیاد إستعمال الأدویة الجديدة والغالیة الثمن إضافة الى إرتفاع معدلات نسب الإصابة بمرض السكري النمط 2 كمثال كان له تبعاته على میزانیات الأنظمة الصحیة والذي إنعكس على النمو في السوق الدوائیة العالمیة من 3.8 بلیون دولار أمریكي في عام 1995 الى 17.8 بلیون في عام 2005 وقد قدر لمعدلات النمو هذه أنْ تصل الى 975 بلیون في عام 2013  (116,115). علما بأنَّ الأدویة الجدیدة تدخل المسرح الطبي مقابل خلفیة من التوقعات المُضخَّمة مصحوبة مع إفتراضات غیر عقلانیَّة عن سلامتها. وفي هذا الصدد یجب التأكید على نقطة مهمة وحساسة تتمثل بكون أغلب البحوث المدعومة من الشركات المصنعة لهذه الأدویة تعطي في الغالب أو على الإطلاق نتائج إیجابیة وأغلب البحوث غیر المدعومة من هذه الشركات أي البحوث الأكادیمیة البحتة والمحایدة تعطي نتائج سلبیة. وعندما یتم إنتقاء نتائج الدارسات بتحیُّز فإنَّ مصالح المرضى تصبح في خطر وهذا یعني إحتمال تطابق الإثنین أو تضادها الحاد من حیث طبیعة النتائج في مرحلة من مراحل تطویر هذه الأدویة سواء قبل التسویق أو بعده. وهذه تكاد تكون قاعدة عامة تشمل الأدویة الأخرى في مجال الطب وتظهر بجلاء وبحدَّة في المراحل التي تعقب التسویق.

وهذا یقتضي علینا أنْ نكون حذرین بشأن تصمیم العدید من الدراسات والذي لم یتم للرد على مسألة علمیة بل للرد على مسألة تسویقیة للدواء المعني في هذه الدارسات. إنَّ مثل هذا التبادل في المصالح یُهدد سلامة البحوث العلمیة وموضوعیة التثقیف المهني ونوعیة العنایة الطبیة بالمریض وثقة المجتمع بالطب. وكمثال على ذلك فقد أحیطت أدویة الستاتین بهالة من الجدل لعدد من الأسباب. فمن جهة أظهرت هذه الأدویة قابلیتها على تخفیض الكولستيرول بشكل واضح والأدلة على ذلك أنها تقلل أیضاً من نسبة حدوث النوبات القلبیة والسكتات الدماغیة. ومن جهة اخرى كانت البیانات بشأن قدرتها أو عدم قدرتها على تخفیض معدل الوفیات أقل وضوحا. وعلى الرغم من هذا فثمة في الواقع بیانات حدیثة تدعم هذا الادعاء. ومع ذلك فقد كانت أدویة الستاتین بالنسبة لشركات الأدویة التي تحظى على اقبال شدید قد ولدَّ لها المخاوف بسبب كون شركات الأدویة تجني الملیارات من الدولارات مقابل أدویة ذات تأثیر هامشي على المرضى.

وهنا یجب التنویه الى أنَّ بوادر دخول الدواء الفموي المسمى بالجانوفیا

)Oral Dipeptidyl Peptidase-4 (DPP-4) inhibitor; Sitagliptin-Januvia(

الى السوق الدوائیة السائبة في العراق كان في منتصف 2011 تقریبا. ونتیجة لجهل أغلب الأطباء بهذا الصنف من الأدویة والهجمة الدعائیة المضللة لهم صار هذا الدواء یُصرف بصورة مطلقة وعشوائية لكل مرضى السكري النمط 2 وبمختلف مراحل المرض عندهم وحتى مرضى السكري النمط 1 (خلافا لتوجيهات الشركة المصنعة ذاتها) وبإعتباره دواء سحري جدید ودون معرفة دواعي إستعماله والمحاذیر الخطرة ومعرفة الأعراض الجانبیة المحتملة ومنها الخطرة جدا. علماً بأنَّ مفعول هذه الأصناف یكاد یكون وهمي أو ضعیف في أحسن الأحوال عند غالبية مرضى السكري النمط 2 وهذا ما يجري على ارض الواقع في العراق. والشئ الذي یؤسف له كثیرا هو أنَّ مثل هؤلاء الأطباء یتسابقون على إستعماله كدلیل على فهمهم وعلمهم ومواكبتهم للتطورات الجدیدة. ناهیك عن ما یتأملونه من الشركات الإحتكاریة من فتات أرباحها الخیالیة لاسیَّما إذا كان الطبیب ممن یحشر المرضى بأعداد تصل الأربعة مرة واحدة في غرفة الفحص ضارباً عرض الحائط كل المقاییس العلمیة والإنسانیة ومستغلاً جهل الناس وبساطتهم وصمت أعراض السكري وإرتفاع ضغط الدم وإضطراب الدهون والتي تفتك بهم بسبب مضاعفاتها الصامتة والتدریجیة. ویكون جزاء الطبیب على حسن ما فعل لهذه الشركات المصنعة لهذه الأدویة عادة بتغطیة نفقات سفرة ترفیهیة خارج القطر ويبرر هذا بغطاء مؤتمر وكوسیلة لعرض منتجاتها والترویج لها سواء عن طریق عرض بحوث مدعومة أصلاً من قبلها أو وسائل أخرى.

وفیما یلي ملخص لأهم النقاط الأساسیة لتنظیم إستعمال الأدویة:

1.          تهدف المجتمعات والحكومات الى صرف النقود على الأدویة لعدة أسباب لذلك یجب أنْ تكون أمینة وفعَّالة وذات جودة عالیة وتستعمل بطریقة مناسبة.

2.          إنَّ تطوير الأدویة وإنتاجها وإستیرادها وتصدیرها ومن ثمَّ توزیعها یجب أنْ یُنظم لضمان مطابقتها للمعاییر العلمیة الموصوفة لها.

3.          لذلك فإنَّ تنظیم الدواء بشكل فعَّال هو شرط ضروري لضمان سلامة وفعَّالیة ونوعیة الأدویة إضافة الى توفیر معلومات دقیقة وملائمة عن الدواء لعموم الناس.

 

یقع على الأطباء واجب أخلاقي یدعوهم الى المحافظة على أحدث المستجدات العلمیة في حقول إختصاصاتهم ومن المصادر المحايدة أي غير المرتبطة بشركات تصنيع الأدوية ويجب على الجمعیات المهنیة الطبیة أنْ تُدعِّم هذه الإلتزامات. إنَّ المخاوف بخصوص علاقات الأطباء مع شركات صناعة الأدوية تأتي من كونها تسبب ضرراً:

1)           بسمعتهم المهنية (وصف الدواء والسلوك المهني)

2)           وبالبحث العلمي

3)           وبمصداقية الخطوط التوجيهية

4)           وبالمرضى أنفسهم (بالعناية بالمرضى).

 

أهمية السياسة الدوائية

إن الحصول على الأدوية المناسبة هو مجرد خطوة واحدة في تحسين الصحة العامة كهدف مشترك في صحة المجتمعات على مستوى العالم وضمان أنَّ المرضى يتلقون الأدوية التي يحتاجونها ليعيشوا حياة أطول وأكثر صحة. إنَّ توسيع قاعدة الوصول إلى الرعاية الصحية والأدوية أمرا معقدا وصعبا ، على وجه الخصوص في البلدان النامية ، ويتطلب جهدا تعاونيا منظما لضمان أن النظم الصحية تستخدم الموارد بفعالية وكفاءة. إنَّ ضمان حصول المرضى على الدواء المناسب وفي الوقت المناسب ومن المكان المناسب يتطلب "سلسلة قيم" معقدة (117).

هناك العديد من الثغرات في أنظمة الرعاية الصحية التي لها تأثير غير متكافئ على السكان. ينبغي الاعتراف بضرورة اتباع نهج شامل للوصول إلى الأدوية من قبل السلطات الصحية المحلية المختصة. غالبا ما تكون أنظمة الشراء والإمداد الوطنية للأدوية غير فعَّالة أو معايرة بشكل سيئ لتلبية الاحتياجات الحالية. نتيجة لذلك يتم إهدار الموارد النادرة وتأخر إدخال الأدوية الحيوية الجديدة في الوقت المناسب وقد يحدث نفاد في المخزون الأمر الذي يشكل عائق كبير أمام الصحة. هناك حاجة إلى أنظمة تنظيمية قوية لضمان أن الناس في جميع أنحاء المجتمع لديهم الفرصة للحصول على الأدوية واللقاحات عالية الجودة والفعَّالة والآمنة في الوقت المناسب. حتى يومنا هذا فقط 20٪ من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية لديها أنظمة تنظيم صيدلانية مطورة جيدا بسبب الموارد البشرية والمالية الكبيرة التي توفر لمثل هذه الأنظمة. في عالم معولم فإن التنظيم يحتاج إلى التطوير باستمرار لمواجهة التحديات القديمة والجديدة. أصبح الامان والتجهيز الفعال للأدوية أولوية عالمية متزايدة الأهمية في القرن الحادي والعشرين (118) .

كما أنَّ توفير حماية فعالة ضد الأدوية المغشوشة هو الآخر يعتبر هدفاً مشتركاً يصب في مصلحة الأفراد والمجتمعات كافة حول العالم. الحل الواعد هو جعل الأنظمة التنظيمية تعمل بكفاءة أكبر من خلال التعاون المشترك والموائمة. فعند موائمة الأنظمة الدوائية بشكل إيجابي سيكون التأثير على:

1.     الحصول: يحصل المجتمع على وصول أسرع وأكبر إلى الأدوية الأساسية ذات الأولوية وذات النوعية الجيدة.

2.     التوافر: يمكن تحسين توافر الأدوية الأساسية بأسعار معقولة من خلال عمليات موافقة تنظيمية مبسطة ومنسقة وفعالة وشفافة.

3.     القدرة على تحمل التكاليف: مع وجود المزيد من الأدوية الجنيسة (منخفضة الأسعار) في السوق يمكن للمرضى تحقيق وفورات أكبر. يمكن للحكومة والميزانيات المخصصة التمتع بوفورات في التكاليف من تخفيف الضغط نتيجة تخفيض الأسعار.

 

في السنوات الأخيرة كان هناك اهتمام متزايد بتشجيع النشاط الدوائي المبتكر في البلدان النامية (120,119) وتشجيع الاختراعات القابلة للحصول على براءة اختراع قبل الانتقال إلى المراحل المختلفة من البحث السريري والتي تُترجم بعد ذلك إلى منتجات وطنية آمنة وفعَّالة ومجدية تجاريا يستفيد منها المجتمع من حيث تحسين الصحة (119).

 

 

 

 

 

 

 

 

VII.            أنظمة تقییم التأثیيرات الجانبیة ما بعد التسویق 

 

لقد أصبح الأطباء أمام معضلة أبدیة تتمثل بالموازنة بین الفوائد الكامنة وراء كل دواء وبین مثالبه ومخاطرة على الصحة وثمنه. وفي مجال مرض السكري كمثال فإنَّ خیار الطبیب المعالج سوف یتحدد بالفوارق النوعیة ( كهبوط السكر على سبیل المثال) وبالتأثیرات الجانبیة وبالكلفة وفوق كل ذلك بسلامة إستعمال الأدویة على المدى البعید.

إن حلول تحديات تقييم ما بعد التسويق لسلامة الأدوية هي معقدة وستتطلب جهود تعاونية للغاية بين الوكالات التنظیمیة للأدویة والسلطات الصحية الأخرى والصناعة فيما يتعلق بملصقات المنتجات الجديدة وتطوير المنهجية الوبائية والإحصائية لاكتشاف وتفسير علامات الأعراض الضائرة (121-125).

 وفیما یلي ملخص لأنظمة تقییم التأثیرات الجانبیة (126)  ما بعد التسویق في البلدان الصناعیة المتقدمة:

1)    التقاریر التلقائیة

(Spontaneous reports)

2)    قواعد البیانات الطبیة المسجلة

(Computerized medical record databases)

3)    قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية لتقارير سلامة الحالات الفردية العالمية

(the World Health Organization global individual case safety reports database)

4)    قاعدة البيانات الدولية للتيقظ الدوائي (فجي بيز)  

(VigiBase, the international pharmacovigilance database)

 

5)    والمطالبات أو الشكاوي المسجلة حاسوبیاً 

(Computerized claims record databases)

6)      الدراسات المنهجیة التي تعقب التسویق الرسمي للدواء 

(Formal postmarketing studies)

 

أ‌.        التقاریر التلقائیة

تشير التقارير العفوية إلى التقارير غير المرغوب فيها عن الملاحظات الإكلينيكية (السريرية)  الناشئة ومن غير تلك المثبتة في الدراسة السريرية الرسمية ويتم تقديمها إلى الشركات المصنعة للأدوية أو الوكالات التنظيمية (127). وتمثل بعض الملاحظات آثارا سلبية حقيقية لدواء معين. وقد يعود العديد من الأعراض السلبية الى المرض ذاته الذي يتم علاجه أو أنَّ الأعراض الملاحظة ليس لها علاقة بالمرض أو الدواء. أكثر التقارير أهمية إما أنْ تكون الأعراض المسجلة جديدة, أي غير مدرجة في ملصق المنتج, أو أعراض نادرة وخطيرة مرتبطة فعلاً باستخدام الدواء أو أعراض ضائرة معروفة مسبقا ولكن تحدث بمعدل أعلى من المتوقع أو اشد وطأة. وقد تعكس تقارير أخرى أخطاء طبية أو جرعات غير مناسبة أو إساءة استخدام أخرى للدواء أو حتى بسبب عيوب المنتج (128).

يمكن لنظم الإبلاغ العفوي أنْ تشير إلى المشكلات الناشئة وبالتالي لها القدرة على كشف أعراض سلبية غير معروفة سابقا. نظرا لأن هذه التقارير يكتبها أخصائيو الرعاية الصحية ممن تؤخذ أرائهم السريرية بنظر الإعتبار فإن الشركات تقضي الكثير من الوقت في تحليل التقارير الفردية وكل ما تستند إليه هذه التقارير. قد يصاحب هذه التقارير العفوية قيود تجعلها تعاني من نقصاً كبيراً ولا يمكن تحديده بالضبط وبالتالي لا تنتج هذه الأنظمة عن تقديرات دقيقة لحدوث أعراض ضارة معينة. بالإضافة إلى احتمال عدم التحقق من تفاصيل سريرية مهمة.

قد يتم الإبلاغ عن أحداث سلبية بشكل عفوي وبمعدلات عالية وبشكل لا يتناسب مع الأوقات المختلفة من دورة حياة تسويق الدواء. على سبيل المثال ، يميل أخصائيو الرعاية الصحية والمرضى إلى الإبلاغ عن ردود الفعل السلبية عندما يتم تسويق الدواء حديثاً (129) أو عندما تكون الأعراض ذات أهمية طبية كبيرة أو عندما تُلاحظ الأعراض قريبا جداً من وقت تناول الدواء أو عندما تظهر دعاية سلبية (130).

تم تطوير طرق تحليل إحصائي متطورة لإضفاء الطابع الموضوعي على طبيعة التقارير التلقائية وبهدف تحديد متى يتم الإبلاغ عن نوع معين من الأحداث الضائرة بشكل غير متناسب بالنسبة إلى الأحداث الضائرة الأخرى المرتبطة بعقار معين. مثل هذه الأنظمة يتم استخدامها وتقييمها من قبل لجان مراجعة السلامة من العاملين من قبل السلطات التنظيمية وشركات الأدوية وكذلك من قبل عدد متزايد من الباحثين الأكاديميين (132,131) . قد تكون هذه الطرق مفيدة كأدوات بحث آلية خاصة عندما يزداد عدد التقارير التلقائية. وبمجرد الكشف عن إشارة عادة ما يكون مسار العمل الصحيح غير واضح. ولكن إذا كانت الإشارة مقنعة أي إذا كانت الزيادة في الخطر تبدو كبيرة جدا ومتسقة مع آلية عمل الدواء المعروفة وأنَّ إسنادها إلى الدواء يكون مؤكد والعَرَض المعني مهم سريريا يكون حينذاك حاجة إلى بدء العمل على الفور. وبالنسبة للأعراض الشديدة جدا قد يكون هناك ما يبرر اتخاذ إجراء فوري حتى إذا لم تكن مرتبطة بشكل واضح بآلية عمل الدواء. المعضلة هي أنه إذا جاء العمل بعد فوات الأوان فقد يعاني المزيد من الناس من الضرر. وإذا كان مبكرا جدا وغير مؤكد فقد يتوقف الناس عن تناول أدوية مفيدة دون داع.  في بعض الحالات قد يشير التحليل الأولي لمعدلات الأعراض السلبية إلى وجود خطر واضح على الرغم من أنه في نهاية المطاف يمكن استبعاد هذا الخطر على أنه من صياغة الإنسان وهو غير حقيقي (133). لذا يجب تفسير الإشارات من الإبلاغ العفوي بحذر شديد.

 

 

ب‌.    قواعد البیانات الطبیة المسجلة والمطالبات أو الشكاوي المسجلة حاسوبیا

يتم تصنيف قواعد البيانات الإلكترونية على نطاق واسع على أساس المطالبات أو السجلات الطبية. وعادة ما يتم إنشاء قواعد البيانات المستندة إلى المطالبات من خلال أجهزة الرعاية الصحية أو منظمات التأمين الصحي الأخرى أو من خلال البرامج الحكومية وتحتوي على معلومات مفيدة عن النفقات القابلة للسداد (الوصفات الطبية أو الاستشفاء) وغالبا مع التشخيص عن عدد محدد من المرضى. وقد يكون استخدامها محدود بسبب نقص التفاصيل السريرية مما يستلزم الوصول إلى مصادر أخرى للمعلومات مثل جداول المستشفيات للحصول على مزيد من المعلومات (134).

غالبا ما توفر قواعد البيانات هذه معلومات قليلة عن الأعراض المسجلة في العيادات الخارجية بما في ذلك الوفيات. ويمكن أن تستغرق الدراسات التي تستخدم قواعد البيانات هذه وقتا طويلاً لإكمالها إذا كانت تنطوي على الحصول على معلومات من المصادر التكميلية المذكورة أنفاً وبالتالي لا يمكنها عادةً تقديم تقييم سريع لأعراض جانبية مقلقة وقد تكون غير واقعية (135). وعليه فإنَّ قواعد بیانات المطالبات أو الشكاوي هي ضخمة جداً وهي من المحتمل أنْ تكون غیر كافیة وقد تحتاج تعاون بین القطاع العام والخاص وبشكل یضمن إشراك كافة الأطراف لاسیَّما الصناعیة والأكادیمیة والعلماء التنظیمیین في مناقشات منهجیة.

 

ت‌.    الدراسات الرقابية التي تعقب التسویق الرسمي للدواء 

يمكن أن توفر الدراسات القائمة على الملاحظة ,التي لا تتضمن التدخل، معلومات كبيرة عن احتمالية وقوع أحداث ضارة معينة. إنَّ الدراسات التي تسبق التسویق الرسمي للدواء هي دراسات ملاحظاتية وقد لا تعكس بشكل كافٍ الحالة التي سوف تحدث بسبب الإستعمال الواسع بعد المصادقة على إستعمال الدواء ولعدة أسباب:

1)      إنَّ المشاركین في الدراسة قد یمثلون إناس هم أكثر صحةً بعض الشئ وعادة یتم إختیار مجموعة محددة منهم.

2)      وقد یتمتعون بعنایة أفضل من المرضى في الواقع العملي التطبيقي.

3)      الأدویة التي یُجرى علیها البحث وبالضرورة تعطى فترات أقصر في الدراسات من تلك الدراسات التي تعقب الإستعمال الذي یلي المصادقة علیها.

4)      كما أنَّ إستعمال الدواء الذي یُجرى علیه البحث وكذلك الأمراض المتصاحبة مع المرض الذي أجري البحث علیه لا تمثل كل الظروف الموجودة في خارج نطاق البحث أي في الحیاة العملیة.

 

أهم الدراسات الرقابية التي تعقب التسویق الرسمي للدواء:

 

دراسات أترابية (Cohort studies)

تُقيِّم الدراسات الأترابية الأفراد الذين يعانون من حالة معينة على سبيل المثال مرض الصرع أو يتناولون دواء معينا مثل الأدوية المضادة للصرع بمرور الوقت. يمكن مقارنة تجربتهم بتجربة الآخرين الذين لم يتأثروا بهذه المرض أو الذين يتناولوا أدوية أخرى. وقد تشمل الدراسات الأترابية أو لا تشمل مجموعة مقارنة.

 

دراسات الحالة - التحكم (Case–control studies)

في دراسات الحالة - التحكم يتم جمع المعلومات بأثر رجعي من المشاركين الذين لديهم بالفعل حالة معينة ومن "الضوابط" أي أولئك الذين ليس لديهم هذه الحالة. يمكن لهذا التصميم تقييم ما إذا كانت خصائص معينة مرتبطة بالحالة المحددة أو الحدث الضار الذي تتم دراسته. وتكون دراسات الحالة - التحكم هي الأكثر ملائمة عندما يكون معدل الحدث منخفضاً (135).

دراسات بسيطة وكبيرة عن السلامة (Large Simple Safety Trials)

تُجرى الدراسات البسيطة والكبيرة عن السلامة على أعداد أكبر من المشاركين مقارنة بالدراسات الأترابية (عادةً عدة آلاف). يتم أخذها في الاعتبار عندما يتم استخدام المنتج على نطاق واسع وعندما يكون من المهم التأكُّد من أن مخاطر الأعراض السلبية الشديدة مُنخفضة (135).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

VIII.            التفاعل بين الأطباء ومندوبي الأدوية ومدى تأثيره على تبادل المصالح

 

من بين أكثر تضارب المصالح شيوعا ذلك الذي ينشأ عن تفاعلات الأطباء مع ممثلي مبيعات شركات الأدوية أو "المفوضين" أو "مندوبي الأدوية". ففي الولايات المتحدة الأمريكية توظف شركات الأدوية حوالي 90.000 مندوب وتُنفق أكثر من 7 مليارات دولار سنويا لتسويق منتجاتها للأطباء وبمتوسط 15000 دولار سنويا لكل طبيب (136).

يمكن أن تتعارض قرارات وصف الطبيب للأدوية مع الهدايا المجانية ووجبات الطعام والسفر المجاني والمزايا الأخرى. لأن التفاعلات بين الطبيب والمندوب تحيِّز اتخاذ القرار الطبي وتقوِّض ثقة المرضى وتزيد تكاليف الرعاية الصحية ( 123 ,137- 141).

وعليه فإنَّ مهنة الطب الآن أصبحت تحت ضغط لم يسبق له مثيل (142).

على الرغم من أنَّ الأبحاث تُظهر أنَّ الأطباء يفهمون تضارب المصالح بين تسويق الدواء ورعاية المرضى فإنَّ  التفاعل بين الأطباء وممثلي (مندوبي) شركات الأدوية أمر شائع. لا يجد الكثير من الأطباء الحل لهذا التناقض. وهذا يقتضي تحديد تقنيات يحتاجها الأطباء. فعلاقات الأطباء مع المندوبين ولَّدت ديناميات نفسية أثَّرت على تفكيرهم. تشير النتائج التي توصلت إليها البحوث (143)  إلى أنَّ المبادئ التوجيهية والتي هي طوعية كتلك التي تقترحها معظم الجمعيات الطبية الكبرى هي غير كافية. وقد يكون الحل الفعَّال فقط هو حظر التفاعلات بين الطبيب ومروجي الأدوية.  

تشير الاستطلاعات إلى أنَّ كثير من الأطباء يعتقدون أنَّ المعلومات التي يقدمها المندوبين  هي في الغالب متحيزة وغير موضوعية (144-146).

ومن جهة أخرى فإنَّ قسم من الأطباء ينظرون عموما إلى التفاعلات مع مندوبي الأدوية على أنها تعليمية ومناسبة مهنياً (148,147). ولكن يؤكد معظم الأطباء أن زملائهم معرضون لتأثير الصناعة ولكنهم هم أنفسهم يشعرون بأنَّهم محصنين (11).

وعلى العموم يوافق قسم كبير من الأطباء على قبول الهدايا (11). ويعتقدون أنَّ قبولها مناسب لأنهم يتعلمون عن منتجات جديدة (149) . ومع ذلك لا يرغب الأطباء في نشر قبولهم للهدايا علنا ويقرون بأن الهدايا يمكن أن تضر بالموضوعية في صرفهم للأدوية المعنية (10).

إنَّ هذه الدراسات الإستقصائية تشير الى تبايُن صارخ بين وعي الأطباء بالآثار السلبية للتعامل مع المندوبين وموافقتهم على مثل هذه العلاقات. هناك أيضا أدلة على أن دعم شركة الأدوية لنفقات السفر يغير سلوك وصف الأطباء المستهدفين (7, 29, 150, 151).

ويمكن القول أنَّه فقط حظر التفاعلات بين الأطباء والمندوبين سيكون له تأثيراً فعالاً (117). ويكتسب هذا الموقف الآن تأييد واسع النطاق. فعدد متزايد من المراكز الطبية تُقيِّد اتصال المندوبين مع ملاكاتها الطبية وتقوم بوضع استراتيجيات صارمة للسيطرة على تضارب المصالح (152,126)

يشكل الترويج والتسويق (بما في ذلك الإعلان وتقديم الهدايا والدعم للأنشطة ذات الصلة الطبية مثل السفر الترفيهي بحجة حضور المؤتمرات أو حتى بدون مؤتمرات كما أصبح شائعا) جزءا كبيرا جدا من أنشطة شركات الأدوية (استهلاك ربع إلى ثلث ميزانياتها بالكامل وإجمالي أكثر من 11 مليار دولار كل عام في الولايات المتحدة وحدها) (153).

لا توجد أرقام شاملة متاحة ولكن من المُقدَّر أن حوالي 3 مليار دولار أمريكي يتم إنفاقها على الإعلانات و5 مليارات دولار أمريكي على مندوبي المبيعات بينما الإنفاق على كل طبيب يُعتقد أن يكون مجموعه أكثر من 8 مليار دولار أمريكي (154). وعلى الرغم من أنه ينكر الأطباء أن الهدايا تؤثر على سلوكهم (156,155)  ثمة دليل واضح على عكس ذلك (7, 156).

أظهر مسح على 120 طبيبا في مدينة كليفلاند في ولاية أوهايو الأمريكية أن أولئك الذين التقوا بمندوبي الأدوية كانوا أكثر من 13.2 مرة عرضة لطلب إدراج منتجات الشركة في قوائم الأدوية في المستشفى. وأنَّ أولئك الذين قبلوا المال للتحدث في الندوات كانوا أكثر عرضة بمقدار 21.4 مرة للقيام بذلك. وأنَّ أولئك الذين قبلوا المال لإجراء البحث كانوا أكثر عرضة للقيام بذلك 9.2 مرة. وخلص الباحثون إلى أن ثمة ارتباطا قويا ومتماسكا ومحددا بين طلبات الأطباء بإضافة دواء بعينه إلى قوائم الأدوية في المستشفى وتأثير علاقاتهم مع شركات الأدوية (140). وفي هذا الصدد قد تساعد برامج التعليم والسياسات المدروسة الأطباء المقيمين على تعلُّم كيفية تقييم هذه الهدايا بشكل حذري ونقدي (157).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

IX.            المعاییر الأخلاقیة والشفافیة في العلاقات بین مهنة الطب وشركات صناعة الأدویة (حبة دواء محلاة تهز العلاقة بین الطب والصیدلة)

 

العلاقات التي يشارك فيها الأطباء وشركات صناعة الأدوية تثير مخاوف جدية وجدلا داخل كل من مهنة الطب والمجتمع ككل (159,158). ورغم أنَّ هذه المفاهيم أصبحت أكيدة ومرسخة في الأوساط العلمية المحترمة في المجتمعات الناضجة إلا أننا لا نزال في أول الطريق بالنسبة لإرساء هذه المبادئ في الممارسة الطبية وفي البحث العلمي.

تختلف الآراء بشكل حاد داخل المهنة نفسها من الاقتناع بأن المخاطر المرتبطة بهذه العلاقات ضئيلة أو أنَّها تثير القلق من أن جميع الاتصالات بين الأطباء والصناعة تنطوي على تسوية وبالتالي ينبغي تجنبها قدر الإمكان(160).

تتضمن العلاقة بين صناعة الأدوية ومهنة الطب جوانب مرغوبة بوضوح (على سبيل المثال الجهود التعاونية للصناعة والحكومة وواصفي الأدوية في محاولة لتحقيق استخدام جيد للأدوية) وأخرى أقل وضوحا من الناحية الأخلاقية (على سبيل المثال ، قبول الأطباء للهدايا الفخمة والمال كنفقات ترفيه وسفر مجاني).

قبل الحديث عن المعاییر الأخلاقیة والشفافیة في العلاقات بین مهنة الطب وشركات صناعة الأدویة يجب أنْ نُذِّكر بفقرات القَسَم الذي يؤديه كل طبيب بعد نجاحه وحصوله على شهادة الطب وحسب ما جاء في تصريح جنيف لجمعية الطب العالمية (161). فقبل قبول الطبيب كعضو بالمهنة الطبية يقسم على أنْ يلتزم بما يلي وعلى النحو التالي:

1)      التزم رسميا بتسخير حياتي لخدمة البشرية

2)      تقديم كل مظاهر الإحترام والإعتراف بالجميل لأساتذتي وهم أهلاً لذلك

3)      سأقوم بمهنتي بكل اخلاص وضمير

4)      سأضع صحة مريضي فوق كل اعتبار

5)      سأحترم الأسرار التي يتم اشعاري بها حتى بعد وفاة المريض

6)      سأحافظ بكل ما أوتيت من جهد على شرف مهنة الطب وتقاليدها

7)      سأعتبر زملاي أخوة وأخوات

8)      لن أسمح أن تدخل بيني وبين واجبي نحو مريضي اعتبارات منشؤها السن أو المرض أو العجز وكذلك الدين أو الأصل العرقي أو الجنس وكذلك الجنسية والإتجاه السياسي أو الميل الجنسي والوضع الإجتماعي

9)      سأقوم بمهنتي بكامل الإحترام للحياة البشرية

10) لن أستعمل معلوماتي الطبية ضد قوانين الإنسانية وإنْ كنت مهددا

11) وأني التزم رسميا وبكل حرية وأقسم به على شرفي.

 

لقد لوحظ أنَّ التفاعلات بين الأطباء والصناعات الدوائية تبدأ في وقت مبكر من سني التلمذة في كلية الطب وتستمر هكذا مع الممارسة الطبية (162). هذه العلاقة تكون أقوى في البلدان النامية مثل العراق وقد تؤدي إلى نتائج سلبية خاصة بالنسبة للمريض. لقد زادت التفاعلات بين الأطباء وصناعة الأدوية زيادة كبيرة في السنوات العديدة الماضية وأصبحت مثل هذه الأنشطة شائعة بشكل ملفت للنظر. الهدف الأساسي لمهنة الطب هو تقديم خدمة للإنسانية والمكسب المالي هو هدف ثانوي. لكن الدَوْر الأساسي لمندوب الأدوية هو إطلاع الطبيب على منتجات شركته بما في ذلك الأدوية. بعد كل شيء يُعد التطوير المهني المستمر مكونا أساسيا لنظام رعاية صحية جيد (163).

لقد أصبح في حكم المؤكد أنَّ التفاعلات بين الأطباء وشركات صناعة الأدوية تنجم عن العديد من النتائج السلبية على المصالح العليا للمريض. هذه التفاعلات التي تأخذ شكل الهدايا والعينات والوجبات المدفوعة من الشركات وتمويل السفر أو الإقامة لحضور الندوات التعليمية ورعاية التعليم الطبي المستمر ومنح مالية وتمويل الأبحاث وحتى التوظيف. تحتاج الحكومات اجراآت مشددة من أجل منع التحالف غير الأخلاقي بين الأطباء وشركات صناعة الأدوية. وهنا نحتاج إلى التعاون والتنسيق بين العديد من العناصر مثل الحكومة وشركات صناعة الأدوية والمنظمات أو الجمعيات المهنية لحل هذا التحالف غير الأخلاقي للأطباء مع صناعة الأدوية من خلال وضع مبادئ توجيهية أخلاقية شاملة. يجب أن يلتزم كل طبيب بالأخلاق وتحكيم الضمير. يحتاج المرضى أيضا إلى التثقيف حول فوائد الأدوية الجنيسة التي تكون ميسورة التكلفة وتعطي نفس نتائج الأدوية المسجلة.

  بغض النظر عن الحوافز المشبوهة لأرباح الشركات يجب أن يكون الاهتمام الأخلاقي الأساسي في الطب هو تعظيم صحة ورفاهية المرضى. وعندما يتعرض هذا الهدف للخطر فإن الأولوية الأولى لمهنة الرعاية الصحية هي التخلي عن الظروف وتضارب المصالح التي تعرِّض هذا الواجب الأخلاقي الأساسي للرعاية الصحية للخطر. إنَّ تبادل المنافع المادية بإعتبارها شأن أخلاقي لاتنطبق فقط على مديري الأعمال أو موظفي الدولة أو الباحثين ولكن أيضاً الإطباء والأكاديميين. وأية منافع مادية تربط هؤلاء بالشركات المصنعة للأدوية في مجال الصحة تثير تسائلات ترتبط بأخلاقية الفرد ونزاهته.

تسعى شركات الأدوية إلى التأثير على الأطباء والمرضى من خلال نهج "موجه الى مقدم العناية الطبية أي الأطباء" و "مباشر إلى المستهلك أي المرضى"

(“provider-directed” and “direct-to-consumer”). غالبية هذه الجهود التسويقية موجهة الى الأطباء على الرغم من أن كلا النوعين من التسويق قد ثبت أنهما فعالين في زيادة مبيعات الأدوية (164). ولكن الإلتزام الأخلاقي من قبل الطبيب لا يمكن الركون اليه لوحده وانما نحتاج الى وسائل قانونية تحاسب وتردع وتعاقب من يستغل من الأطباء مهنته الإنسانية لأغراض مصلحته المادية على حساب صحة المريض ومصلحته العليا. وقد بدأت الدول المتقدمة بإتخاذ مختلف التدابير وسَن القوانين.

 

وفیما یلي ملخص من تنقیحات مختارة من قانون البحوث الدوائیة والشركات الدوائیة الأمریكیة

(Pharmaceutical Research and Manufacturers of America)   

حول التفاعل مع مقدمي العنایة الطبية (165) والتي لا تسمح لشركات صناعة الدواء عمل ما یلي:

1.          تقدیم أیة مواد ترفیهیة أو تسلیة أو أیة هدایا (كمثال الحاسوب المحمول والهواتف المحمولة وغيرها) التي "لا تحسِّن من معرفة المرض أو المعالجة.

2.          خلق ترتیبات إستشاریة كحوافز أو مكافئات لوصف الأدویة أو التوصیة لوصف دواء معین أو دورة معالجة دوائیة .

3.          إنشاء تعاقدات لإلقاء محاضرات تروجیة أو دورة معالجة دوائیة أو دفع مبالغ تفوق القیمة السوقیة العادلة لألقاء محاضرة;

4.          دعم مادي لبرامج التعلیم الطبي المستمر كتحریض لوصف دواء معین أو دورة معالجة دوائیة.

5.          دعم مادي مباشر لمشاركة موظف العنایة الصحیة في برامج التعلیم الطبي المستمر أو في مؤتمرات أخرى أو إجتماعات لمقدمي العنایة الصحیة أو ترتیبات إستشاریة رمزیة لعمل مثل هذه البرامج بصورة غیر مباشرة .

6.          تقدیم مباشر لوجبات طعام في مناسبات التعلیم الطبي المستمر أي جلسات ''الغذاء والتعلم''  وكذلك رعاية تكاليف المؤتمرات الطبية والتي في الغالب تنظمها كليات الطب أو الجمعيات الطبية التخصصية كما يحصل في العراق.

 

لقد بیَّنت الدراسات أنَّ قبول حتى هدایا صغیرة یمكن أنْ یؤثر على القرار الطبي ویؤثر على فهم أو \ وحقیقة تبادل المنافع المادیة. وعلیه يجب على الأطباء أنْ یقیسوا بإنتظام فیما لو كان قبول أیة هدیة هي مناسبة من الناحیة الأخلاقیة وأنْ یُقیموا أیة تأثیر مُحتمل على القرار الطبي. وبإقامة هذه التقییمات یتطلب بأنْ یأخذ الطبیب الأسئلة التالیة بنظر الإعتبار:

1)      ماذا سوف تكون نظرة الناس أو مرضاي بهذه الروابط.

2)      ماهو الغرض من عرض الشركة المصنعة.

3)      كیف ستكون نظرة زملائي حول مثل هذه الروایط.

4)      كیف یكون موقفي في حالة قبول طبیبي الخاص بمثل هذا العرض.

 

في كل هذه الأمثلة تتمثل المسؤولیة الشخصیة لكل طبیب بتقییم أیة علاقة محتملة مع الجهات الصناعیة بهدف التأكُّد من كونها ترفع من مستوى العنایة بالمریض والمعرفة الطبیة ولا تؤثر سلباً على القرار الطبي (167,166). 

في عام 2013 أصبح على كل شركة دواء أو أجهزة طبیة في الولایات المتحدة الأمریكیة أنْ تُعلن عن أسماء الأطباء ممن تدفع لهم أموال وتحت مظلة قانون إصلاح العنایة الصحیة الذي صودق علیه من قبل الكونكرس الأمریكي (23).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 

تعليقات


Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

 المراسلة

شكرا على المراسلة

© 2023 بواسطة قطار الأفكار. تم إنشاؤها بفخر معWix.com

bottom of page